للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة التزام المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله]

التزام النهج الصحيح هو الذي يقرب من الغاية، بخلاف غيره من المناهج الخاطئة.

كذلك التزام النهج الصحيح وبذل الوسع فيه يعفي المسلم من المسئولية عن النتائج، يقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦]، فإذا سلكت المسلك الصحيح احتراماً للسنن الشرعية والسنن الكونية فأنت في هذه الحالة غير مطالب بالنتائج، فإذا قدر لك البلاء في الطريق فاصبر عليه وسوف تعان عليه من الله تبارك وتعالى، أما إذا استحمق الإنسان وتصرف تصرفات تخل بالسنن الشرعية وتخل بالسنن الكونية ولا تحترمها فحينئذٍ سيقال: على نفسها جنت براقش.

وهو الذي يجني العاقبة السيئة لهذه التصرفات، وبالتالي يكون محاسباً أمام الله عز وجل على تقصيره.

فإذا سلكت المنهج الصحيح، وعرفت أن هذا هو المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله، فليس لك أن تنحرف عنه أبداً بحجة صعوبته وأنه طريق صعب، فهذا ليس عذراً، ثم هل هذا هو منهج الأنبياء أم ليس منهج الأنبياء؟ فإن كان هو منهج الأنبياء فليس لك عذر في التنكب عن هذا الصراط بحجة صعوبته، أو لأنه طريق طويل، أو لأن الناس لا يقبلون عليه ويحاربونه ويؤذون من يسلكه، أو تتعجل الغاية وتقول: أنا عجل، أريد أن أرى الثمار بسرعة، فتتعجل هذه الغاية.

أو تنساق وراء العاطفة النبيلة والرغبة في الشهادة في سبيل الله، فتريد فقط أن تنال درجة الشهادة، فتفعل أشياء ظاناً أنها تزيد في هذه الدرجة بمجرد هذه الأماني فقط دون أن تنضبط بالضوابط الشرعية والضوابط الكونية، فأنت مسئول ومحاسب عن مشروعية العمل الذي تعمله هل يرضاه الله أم لا يرضاه الله؟ إن بعض الناس يريد أن ينال الشهادة في سبيل الله فيقع في قتل بعض المسلمين، ويظن أن هذا هو طريق الشهادة في سبيل الله، ويترتب عليه ما يترتب من تأخير الدعوة وفتنة الناس عن دينهم، وما إلى ذلك.

فهل مجرد هذه الرغبة الصادقة تبيح له أن يقتل مسلماً أياً كان ذلك المسلم حتى لو كان عاصياً أو فاسقاً؟! فينبغي الانضباط بمشروعية العمل، أن يكون الله تبارك وتعالى قد شرعه، فالخطأ لا يصير ثواباً بمجرد العاطفة النبيلة؛ لأن الوصول إلى المقصود لا يكون في السير على طريق لا يؤدي إليه، مهما كان السائر عليه جاداً حريصاً على الوصول إليه، فإنه في النهاية لن يصل إليه وإن كانت نيته صادقة في الوصول إليه.

فالنية والعاطفة النبيلة لا تشفع لك، فلا بد من أن تتأكد أنك على الطريق الذي يؤدي إلى المقصود، وعلى الطريق الذي سلكه الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

من أمثلة ذلك: الجهاد، فإنه لم يشرع في مكة، والرسول عليه الصلاة والسلام كان مؤيداً بالوحي، وقد حصل أنه في منى طلب المسلمون أن يميلوا على المشركين ميلة واحدة فيقتلونهم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (إني لم أؤمر بقتال)، كان تكليفاً من الله تبارك وتعالى.

وصلح الحديبية لم تتسع له صدور كثير من المسلمين، حتى عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومع ذلك سماه الله عز وجل فتحاً مبيناً، وفيه نزل قوله عز وجل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١]، مع أن كثيراً من المسلمين رأوا أن هذا إعطاء للدنية في دينهم، وأنه من التخاذل.

فينبغي أن توزن الأشياء بموازين الشرع، وتنضبط بالضوابط الشرعية، بغض النظر عن أصحاب العواطف النبيلة والرغبات أو النيات الصادقة، فإذا تبينت الوسيلة الصحيحة للداعية فيجب عليه أن يسلكها، وإذا بان أن هذا هو الطريق فعليه أن لا يتأثر بالعواطف والقصود الطيبة والحماس لخدمة الإسلام؛ لأن الحماس لا بد له من وقود، ووقوده هو العلم والوعي، هذا هو الوقود الذي يمد العمل والدعوة في الحركة الصحيحة.