للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لماذا يتبع منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟]

ذكرنا أن الله عز وجل قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمنهج الأنبياء، فقال عز وجل بعدما ذكر جملة من الأنبياء في سورة الأنعام: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠]، وقال عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣]، وأرشد المؤمنين جميعاً إلى التأسي به صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١]، وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:٤].

فالنبي عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة لكل المسلمين مهما اختلفت صفاتهم، أسوة حسنة للشاب المستقيم في شبابه، أسوة حسنة للمؤمن الداعية في دعوته، أسوة حسنة للزوج مع زوجته، أسوة حسنة للوالد مع أولاده في العاطفة وحسن الخلق، أسوة حسنة للمربي في تربية أصحابه، أسوة حسنة للمجاهد الشجاع، أسوة حسنة للقائد المنتصر، أسوة حسنة للسياسي الناجح، أسوة حسنة للجار الأمين، أسوة حسنة للمعاهد الوفي والحاكم المستقيم، والعالم العامل، وهذه صفات لا تجتمع أبداً في أي زعيم أو مصلح، ولهذا أمر الله عز وجل بطاعته صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة بلا قيود، فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]؛ لأنه أسوة ونموذج كامل مطلقاً من كل الوجوه، وقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]، وقال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١].

أما غيره صلى الله عليه وسلم -كائناً من كان- فطاعته مشروطة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وإنما خص الأنبياء بالأمر بالاقتداء بمنهجهم وهداهم لأمور: الأول: أن الأنبياء كانوا أسوة لرسولنا، ونحن أمرنا أن نأتسي برسولنا صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أن الأنبياء معصومون من الشرك والضلال والزيغ والأهواء والفسوق والعصيان، وهم أشرف الناس نسباً، وأفضلهم أخلاقاً، وأعظمهم أمانة، وأقواهم حجة، يقول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤]، ويقول في موسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١].

الثالث: لأن جميع الأنبياء كانوا دعاة إلى نفس هذه الدعوة، وهي الإسلام، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].

الرابع: جميع الأنبياء كانوا منتمين إلى حزب واحد هو حزب الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١]، فكان بين الأنبياء ولاء أقوى بكثير من أي ولاء يكون بين حزب من الأحزاب، فبعضهم أشياع لبعضهم، وهم فيما بينهم ونصراء، وكذلك كل المؤمنين الذين يسلكون نفس هذا السبيل، يقول الله تبارك وتعالى بعدما حكى قصة نوح عليه السلام: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:٨٣]، أي: من أنصاره وأهل حزبه.

الخامس: لأن منهج الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام هو المنهج الوحيد الكفيل بإعادة الخلافة -بإذن الله تبارك وتعالى- على منهاج النبوة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر المراحل التي سوف تمر بها هذه الأمة ختمها بقوله عليه الصلاة والسلام: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، فبعد الانحدار والضعف والضياع الذي تمر به الأمة تعود خلافة لا على أي منهاج، وإنما المنهج الوحيد الذي يعيد الخلافة هو منهاج النبوة، الذي أوضحه الله في قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨]، وقال تبارك وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، فمنهاج النبوة هو منهاج الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، وهي الطائفة المنصورة التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)، وهذه الطائفة هم أهل السنة والجماعة، فالذي يمثل منهاج النبوة هو هذه الطائفة المنصورة التي تتمسك بالكتاب والسنة.