للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتاوى العلماء في إعفاء اللحية وحلقها]

أخيراً نذكر بعض النقول ولا نطيل بذكرها؛ لإقناع هؤلاء الذين يتذرعون بكلام المذاهب، ويدعون أن المذاهب تجيز حلق اللحية، أي: مذاهب هذا الزمان، وبعض الناس في هذا الزمان يقولون: إن إعفاء اللحية من أمور العادات وليست من السنن، فنقول: لا التفات لهذا الكلام بعدما سمعنا الأدلة الصحيحة على هذا الحكم الشرعي.

هنا فتوى عن اللحية وردت من الشيخ جاد الحق علي جاد الحق لما كان مفتياً لجمهورية مصر العربية، وهذه الفتوى موجودة في الفتاوى الإسلامية الرسمية الصادرة باسم الأزهر برقم (١٢٨٢) مبادئ الفتوى: الأول: إطلاق اللحى من سنن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها.

الثاني: إتلاف شعر اللحية بحيث لا ينبت بعده جناية توجب الدية، على خلاف في مقدارها.

الثالث: إطلاق الأفراد المجندين للحى اتباع لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك، ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها أو عقابهم بسبب إطلاقها.

وسئل فضيلة شيخ الأزهر جاد الحق كما في الكتاب (٦٠/ ٨١) المؤرخ في ١٢/ ٦/ ١٩٨١م منفرد برقم (١٩٤) سنة (١٩٨٥م)

و

السؤال

طلب بيان الرأي عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، حيث إن قسم القضاء العسكري قد طلب الإفتاء بخصوص ذلك الموضوع لوجود حالات لديها؟ أجاب المفتي فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق قائلاً: إن البخاري روى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب).

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى).

وفي صحيح مسلم أيضاً عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال بعض الرواة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة).

قال الإمام النووي في شرحه لحديث: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى): إنه وردت روايات خمس في ترك اللحية، وكلها على اختلاف في ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفائها من الحلق.

ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذي روته عائشة: (عشر من الفطرة).

ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه، ما أشار إليه فقه الإمام الشافعي من أنه يجوز التعزير بحلق الرأس لا اللحية، وظاهر هذا حرمة حلقها على رأي أكثر المتأخرين.

ونقل ابن قدامة الحنبلي في المغني: أن الدية تجب في شعر اللحية عند أحمد وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدل.

وهذا يشير أيضاً إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدي بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التي تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو حكومة يقدرها الخبراء والعدول كما قال الإمامان مالك والشافعي، ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه في الإسلام، وأنه من سننه التي ينبغي المحافظة عليها.

ولما كان إطلاق الأفراد المجندين للحى اتباعاً لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك، ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها أو عقابهم بسبب إطلاقها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

وهم متبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام، ولما كانوا في إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم في الالتزام بأحكام الدين وفرائضه وسننه؛ لما في ذلك من زيادة همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق والالتزام عن طيب نفس، حيث يعملون بإيمان وإخلاص.

وتبعاً لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمداً لأوامر عسكرية؛ لأنه باشتراط وجود هذا الأمر فإنها فيما يبدو لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد أو تقل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم.

ولا يقال: إن مخالفة المشركين تقتضي الآن حلق اللحى؛ لأن كثيرين من غير المسلمين في الجيوش وفي خارجها يطلقون اللحى؛ لأنه شتان بين من يطلقها عبادة في الدفاع عن سنة الإسلام، وبين من يطلقها لمجرد التجمل وإبقاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول: منقاد لعبادة يثاب عليها إن شاء الله تعالى، والآخر: يرضى بها كالثوب الذي يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهي مهمته.

ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:٩ - ١٤] والله سبحانه وتعالى أعلم.

فهذه كلمة حق طيبة جزاه الله خيراً عنها.

نقول: حتى لو اعتبر هذا الأمر -إعفاء اللحية- من الأمور الشخصية ومن الحريات الشخصية، فلماذا يعطى كل إنسان حرية شخصية ما عدا من يفعل هذه الأشياء طاعة ومحبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام؟! تجد المسلم يمتحن بسبب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضطهد؛ لأنه أظهر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به! فأين ذهبت عقول القوم؟! اليهود في أمريكا وضعهم أقوى من وضعهم في إسرائيل نفسها، لكن لا يمكن أن ترى يهودياً حالقاً للحية، ولا ترى يهودياً ليس في وجهه شعر، إلا الصبي الصغير الأمرد الذي ما نبتت لحيته بعد، وترى لحاهم طويلة جداً، لكن تجدهم يطيلون الشوارب.

فإن كانت هذه البلاد الكافرة قد تركت لهم الحرية في إطلاق اللحى فنحن من باب أولى؛ لأن الإسلام أمرنا بذلك.

ونحن مضطرون أن نستدل بهدي أمريكا لمن يعبدون أمريكا، هناك منظمة في أمريكا أعضاؤها الآلاف من المجندين الأمريكان الذين ذهبوا إلى السعودية في حرب الخليج، وقام بعض الإخوة والدعاة الأفاضل جزاهم الله خيراً بدعوتهم، وإعطائهم النسخ من المصاحف المترجمة باللغة الانجليزية، ونشطوا جداً فيما بينهم؛ فانتشر الإسلام فيهم انتشاراً عجيباً، وأسلم الآلاف منهم، ولما كنت في بريطانيا قابلت أحد الإخوة الكنديين، وهو من الإخوة الأفاضل من أهل التوحيد والعلم، وله كتب قيمة جداً كلها بالإنكليزية، وكان يحاضر ويتكلم على قوله تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦] فقال: إن هذا البلاء قد يترتب عليه كثير من الخير، كهذا الذي حصل من إسلام الآلاف من المجندين الأمريكان ودخولهم في حوزة الإسلام، وهؤلاء الجنود لما رجعوا إلى أمريكا كونوا منظمة باسم: منظمة العسكريين الأمريكان المسلمين! ويقول هذا الأخ: أنا ذهبت إلى هذه المنظمة حين دعوني وحاضرتهم عن الإسلام.

وقد نشرت جرائد الأسبوع الماضي هنا في مصر خبراً نختم به الكلام هو: أن الحكومة الأمريكية أصدرت قراراً بالسماح للمجندات الأمريكيات المنضمات إلى هذه المنطمة بارتداء الحجاب بناء على أن الدستور الأمريكي يكفل حرية الديانة واحترام الأديان إلى آخر هذا الكلام! فهذه هي أمريكا يا من تنظرون إليها بمنتهى الخضوع والخشوع، وكأن لسان حالكم يقول لـ بوش: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين (الله) خراب وهذا هو الواقع!! إذا صح منك - أي: يا بوش - الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.