للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستمناء]

السؤال

ما حكم الاستمناء في الشريعة الإسلامية؟

الجواب

الاستمناء هو استدعاء المني بغير جماع.

وقد ذهب إلى تحريم الاستمناء جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنفية.

قال القاضي أبو بكر بن العربي: وعامة العلماء على حرمته، وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به.

انتهى كلام ابن العربي.

وأدلة تحريمه هي: أولاً: قوله تعالى في مدح المؤمنين المفلحين في سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢]، إلى أن مدحهم بقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:٥ - ٧].

فقوله تعالى: (فمن ابتغى) أي: من طلب شيئاً (وراء ذلك) أي: سوى ذلك المذكور في قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (فأولئك هم العادون) أي: الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:٢٢٩]، فالآيات تدل بعمومها على تحريم ما عدا صنفي الأزواج والإماء.

وقد سئل الإمام مالك عن حكم الاستمناء فتلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:٥ - ٧].

ومن ثم قال بعض العلماء في هذه الفعلة: إنه كالفاعل بنفسه! وهي معصية أحدثها الشيطان، وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، ويا ليتها لم تقل، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها، والاستمناء ضعيف في الدليل، عار بالرجل الدنيء، فكيف بالرجل الكبير؟! وممن استدل بهذه الآية على التحريم الإمام الشافعي رحمه الله، ومن المفسرين البغوي، والقرطبي، وابن العربي، وابن كثير، والنسفي، والخازن، وغيرهم، ولو فرض وجود خلاف فيه فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: وهذا من الخلاف الذي لا يجوز العمل به، وليت شعري لو كان فيه نص صريح بالجواز أكان ذو همة يرضاه لنفسه؟! ثانياً: قال الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣]، وهذا أمر يدل بظاهره على وجوب الاستعفاف، فهو أمر ظاهره وجوب الاستعفاف، ووجوب اجتناب ما ينافي العفة كالزنا واللواط والاستمناء ونحوها، فتكون هذه الأشياء واجبة الاجتناب محرمة الفعل؛ لأن الاستعفاف الواجب لا يتحقق إلا باجتنابها جميعاً.

قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذه الآية: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣]: معناها -والله أعلم-: ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء:٦] ليكف عن أكله بسلف أو غيره.

انتهى كلام الشافعي.

والمقصود بالاستعفاف في آية اليتيم (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) أن القيّم على مال اليتيم لا يأكل من مال اليتيم شيئاً قليلاً ولا كثيراً، وليستعفف ما دام غنياً، وعلى هذا قول الله سبحانه وتعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا) أي: ليتركوا هذا الشيء قليله وكثيره، ما عدا الأزواج والإماء، فلا يُقرب أي شيء يخالف قضاء الوطر عن غير هذا الطريق، فيفهم من ذلك الأسلوب -أي: من كلمة: (وليستعفف) - أنه يجب حفظ الفرج من جميع أنواع الشهوة، وأن من لم يجد السبيل إلى النكاح ففرض عليه أن يصبر حتى يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله.

وزيادة في إيضاح معنى هذه الآية نقول: هل الاستمناء من الاستعفاف أم لا؟ فإن قلنا: لا فيلزم اجتنابه؛ لأن الآية تدل على تحريم ما ينافي الاستعفاف، وإن قلنا: إنه من الاستعفاف لزم القول بوجوبه -أي: الاستمناء- لأن الآية تأمر بالاستعفاف، وهذا حدث في الدين وخرق لإجماع المسلمين.

ومما يؤيد هذا الاستدلال أن الله تعالى ذكر الاستعفاف والنكاح ولم يجعل بينهما واسطة، قال: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣] أي: حتى ينكحوا.

فذكر الله سبحانه وتعالى الاستعفاف والنكاح، ولم يجعل بينهما واسطة، فاقتضى ذلك تحريم الاستمناء، ولو كان مباحاً لبينّه في هذا الموطن؛ لأنه مقام بيان؛ إذ أحوج ما يكون الرجل إلى جواز الاستمناء إذا لم يجد سبيلاً إلى النكاح، لاسيما عند توقان نفسه إلى الوطء، وقاعدة الأصوليين: (السكوت في مقام البيان يفيد الحصر)، ودليل هذه القاعدة قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:٦٤]، أي أن الله سبحانه إذا سكت عن بيان شيء في مقام البيان فإنه يفيد انحصاره فيما ذكر فقط، ولا يتعداه إلى غيره، ففي قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣] حصر المسألة بين أمرين اثنين فقط هما: الاستعفاف أو النكاح، فاستدل بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:٦٤] على ما نحن بصدده الإمام الكيا الهراسي والإمام القرطبي وغيرهما، قالوا: هذا المقام هو مقام بيان حكم الاستمناء، فلو كان مباحاً لبينه الله سبحانه وتعالى، فدل على أنه ليست هناك سعة في هذا الأمر.

ثالثاً: أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

ووجه دلالة هذا الحديث على المقصود أن الشارع أرشد عند العجز عن مؤن النكاح إلى الصوم فقال: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)، ولو كان الاستمناء مباحاً لبينه في هذا الموطن، لكنه سكت عنه، فدل على أن ذلك حرام؛ لأن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر، كما بيّنا أن سكوت الشارع في معرض البيان لشيء من أفعال المكلفين عن شيء آخر يشبهه أو يجانسه لا يكون نسياناً ولا ذهولاً -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا-، ولكن يفيد قصر الحكم على ذلك الشيء المبين حكمه، ويكون ما عداه -وهو المسكوت عنه- مخالفاً له في الحكم {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:٦٤].

وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على حرمة الاستمناء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم فقال: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل، وهذا الفعل لو كان مباحاً لكان الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إليه، فهو أسهل من الصيام، وإن كان الصيام فيه ترك والاستمناء فيه فعل، لكن الاستمناء أسهل من الصوم؛ لأن الصوم وإن كان تركاً لكنه أشد من الفعل، وأشق على النفس من كثير من الأعمال؛ لأن الصوم حبس للنفس وكبح لها عن شهواتها، وفي الحديث: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)، فهذه المزّية لم تكن للصوم إلا لما فيه من المشقة، أما الاستمناء -وإن كان فعلاً لا تركاً- فهو سهل يسير موافق لغرض النفس، ولا يستغرق من الزمان ما يستغرقه الصوم، فلا جرم أن العدول عنه إلى الصوم دليل على حرمته، فيكون في الحديث دلالة على حرمة الاستمناء من وجهين: الوجه الأول: السكوت عنه في معرض البيان، حيث قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ولم يفتح أي باب آخر لقضاء الشهوة سوى هذا الباب، وهو باب النكاح أو الصيام، ولم يذكر الاستمناء.

الوجه الثاني: أنه عدل عنه إلى الصوم الذي هو أصعب.

وقد وردت جملة أخبار عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص لهم في الاختصاء -وهو حرام في الآدميين؛ لأنه من تغيير خلق الله- ليدفعوا به مشقة العزوبة عن أنفسهم، ويستريحوا من عناء شهواتهم وعناء مقاومتها، فلم يرخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشدهم إلى الصوم، فلو كان الاستمناء جائزاً لأرشدهم إليه؛ لأنه أسهل من الاختصاء، والاختصاء إجراء عملية جراحية لإزالة الخصيتين، فهذا الأمر لو كان مباحاً لكان أسهل من الاختصاء وأسهل من الصوم، فلمّا لم يرشد إليه دل على أنه حرام؛ لأن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر.

ومن هذه الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنَتَ، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فائذن لي أن أختصي، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! جف القلم بما أنت لاق، فاختصِ على ذلك أو ذر) وهذا الحديث إسناده صحيح، وعلّقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم.

فالنبي عليه الصلاة والسلام عزّاه بالقدر، أي: إن كنت عاجزاً عن الكسب أو عن ت