للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأضرار الشرعية والصحية للاستمناء]

من الأدلة المهمة في هذه المسألة القاعدة الأصولية المتقررة أن الضرر يزال، وهي مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) أي أن الإنسان لا يضر نفسه ولا يضر غيره.

فيؤخذ من هذا الحديث تحريم جميع أنواع الضرر، وأي شيء يحدث ضرراً فينبغي أن يدفع هذا الضرر، وينبغي أن يزال، فالأصل في المضار التحريم، وهذا الحديث هو من حديث عبادة بن الصامت، أخرجه ابن ماجة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) خبر معناه النهي، مثل قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:١٩٧] أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا في الحج.

فالمقصود من قوله: (لا ضرر) أي: لا تضر نفسك، ولا تضر غيرك، والمضار الناتجة عن هذا الفعل الخسيس الدنيء مقررة عند الأطباء، وهي كثيرة جداً، منها: ضعف البصر، وتقليل حدة الوطر إلى حد بعيد، وإضعاف الأعضاء عموماً، وخصوصاً الأعضاء التناسلية، مما يؤثر -فيما بعد- أقوى تأثير على الباءة.

ومن ذلك -أيضاً- إضعاف الأعصاب عامة، واضطراب آلة الهضم، وإيقاف نمو الأعضاء -خاصةً التناسلية- عن نموها الطبيعي، وإحداث التهاب منوي في الخصيتين، وألم في فقرات الظهر، وتقوس الظهر وانحناؤه، كما أنه يحل ماء صاحبه فيصير رقيقاً لا يقوى على التلقيح، وربما يؤثر على الجنين فيكون ضعيفاً.

ومن ذلك أيضاً: أنه يسبب رعشة الأطراف، خصوصاً الرجلين، وضعف القوة الذهنية، وقلة الفهم، وصفرة الوجه، واستعداد فاعل هذا الفعل الدنيء للإصابة بالسل والعياذ بالله، وغيرها مما لا يكاد يحصى من الأضرار الصحية، فضلاً عن الضرر في الدين بالجرأة على ما حرم الله سبحانه وتعالى، وظلمة القلب، واسوداد الوجه من المعصية، ووقوع الوحشة بين فاعل تلك الفعلة وبين الله سبحانه وتعالى، ووقوع الوحشة بينه وبين الناس، خصوصاً أهل الخير منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استح من الله كما تستحي رجلاً من صالحي قومك) أي: لو أن رجلاً من صالحي قومك اطلع عليك لاستحييت منه، فكيف باطلاع الله سبحانه وتعالى؟! ومن مضار هذا الفعل الدنيء التسبب في تقليل الحياء عند الشخص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الحياء والإيمان قُرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر).

وقد قال صلى الله عليه وسلم: (البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، وهذا الفعل القبيح الدنيء لا شك أنه مما لا يحب من يرتكبه أن يطلع عليه الناس.

وهذا الفعل القبيح بغيض إلى الله سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها).

والاستمناء من أخطر الأمراض والأدواء، وأشدها ضرراً على الجسم والعقل والدين، فبينما ترى الشاب -من هؤلاء المصابين بهذا الفعل الشنيع- قوي الأعضاء، جمّ النشاط، يشتعل ذكاءً وفتوةً، ويلتهب حماساً وقوة، تجري نضرة الشباب في وجهه، ويغلي دم الحياة في عروقه، ثم سرعان ما تراه -وقد أنهكه ذلك الفعل الدنيء- خائر الأعضاء، فاقد النشاط، قد استحال ذكاؤه إلى غباوة وبلادة، وانقلب حماسه وقوته إلى ضعف ووهن، وصارت نضرته صفرة تنبئ بحلول داء عياء، وهبطت حرارة الدم فيه بنسبة ما أخرج من الماء، والتحق بالشيوخ الهرمى وهو لم يزل بعد في سن الشباب، كل هذه البلايا بسبب ذلك الفعل الخبيث! ولا غرو، فإن ماء الرجل قوة عقله، ونضارة وجهه، ومخ ساقه، وخلاصة عروقه، فاستخراجه على غير الوجه المشروع يؤدي حتماً إلى أسوأ النتائج.

ومما لا شك فيه أن هذا الفعل حرام عند المالكية، والشافعية، والحنفية، وجمهور الأمة.

وممن نص على حرمته الإمام البغوي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والحافظان ابن كثير وابن الملقن، والإمام المجتهد التقي ابن دقيق العيد، والعلامة ابن الهمام، والمحقق ابن قاسم العبادي، وشيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشرقاوي، ومفتي بغداد السيد الألوسي، وجماعة يطول ذكرهم.

ومن الأدلة التي يستدل بها على تحريم هذه المسألة بعض الأحاديث التي لو صحت لكانت من أصرح الأدلة في تحريم هذا الفعل، ولكنها أحاديث ضعيفة، فلا بأس بأن نذكرها على سبيل الإخبار بضعفها.

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، ويدخلهم النار في أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، ومن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنه الناس، والناكح حليلة جاره) يعني الزاني بها.

فهذا أحد الأحاديث التي يستدل بها على تحريم هذا الفعل، لكنه حديث ضعيف.

وهناك بعض الروايات عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويقول لهم: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل، والمفعول -يعني اللواط- والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والسابع: المؤذي جيرانه حتى يلعنه الناس، إلا أن يتوب).

فهذان الحديثان صريحان في تحريم هذا الفعل، لكنهما ضعيفان، ويغني عنهما ما سبق أن سردناه من الأدلة.