للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الأخطار التي تهدد كيان الأسرة عدم النظر إلى العواقب]

أول هذه الأمور التي تعرض الأسر للخطر: عدم تقدير المستقبل، فكثيراً ما يتصرف الناس بعض التصرفات، ثم لا يقدرون أثرها في المستقبل، وهذا أمر خطير في التعامل مع الطفل منذ فترة الولادة مباشرة كما سنبين بالتفصيل، وربما تمتد إلى فترة المرحلة الابتدائية، فنظرة بعض الآباء للطفل أنه عبارة عن لعبة يتلهى بها، وينظر إليه بازدراء، وأنه ما يأتي منه شيء، وهو ما زال صغيراً، فيحرم كثير من الخير الذي كان يمكن أن يحصله، وأيضاً تزرع فيه كثير من الأمور الهدامة لنفسية هذا الطفل، مما يجعله لا يثق بنفسه أو ينشأ مشوهاً نفسياً.

فالآباء يفعلون كثيراً من التصرفات دون أن يدركوا أن هذه التصرفات لها أثرها على أولادهم في المستقبل، وعندما نقول: الآباء ندرج ضمن هؤلاء أيضاً المدرسين؛ لأن الطفل يقضي مع المدرس وقتاً ليس بالهين في المدرسة، ويتلقى العلم على الأساتذة، ويتسرب إليه من رفقائه كثير من المفاهيم، ونحن نتصور أنه شيء هين عادي، لكن هو يترك أثراً في نفسية هذا الطفل خاصة إذا تكرر، فمثلاً الطفل الذي يرسم رسماً ليس فيه روح، فيأتي إلى المدرس أو المدرسة وهو منبهر أنه رسم في حصة الرسم الشيء المطلوب منه حديقة أو بحراً أو كذا، فالمدرسة دائماً ترد على كل طالب مهما كان مجيداً للرسم: سيأتي نفس هذا الرسم! فهذه أكبر كلمة تقال! وهي كلمة عابرة، والمدرسة متصورة أنه شيء سهل هين، لكن الطفل يصطدم صدمة شديدة، ويفقد الثقة بنفسه؛ لأنه قيل له الألفاظ المعروفة، فيبوء بالخيبة والفشل، ولا يجد أملاً! تصوروا أن هذه حوادث عابرة تترك تأثيراً عظيماً في الطفل حتى الطفل الرضيع والجنين في بطن أمه يتأثرا بكثير من الأشياء كما سنبين.

ومثلاً يرد الطفل على الهاتف، فيسأل المتصل عن أمه أو أخيه أو أبيه فيقول له: قل له: إنه غير موجود، ويتصور أنه حادث عادي، دون أن يدرك أن هذه السلوكيات في المستقبل لها أثر هدام في سلوكيات الأبناء.

فأكبر خطر وأكبر مشكلة أننا نتعامل مع الطفل دائماً بعقلياتنا نحن، فالشيء الذي نراه مساوياً تماماً لعقلنا نكافئه عليه، ونعاقبه إذا قصر في هذا مع أنه لا يد له في ذلك، وأنت لما كنت طفلاً كنت مثله، وكانت إمكاناتك قليلة، وخبراتك قليلة، وإنما تتعلم عن طريق التجربة والخطأ والتلقين والقدوة وغير ذلك من الوسائل، ومن الخطأ الشديد تعذيب الأولاد بالضرب والإهانة والتحقير، ويريدون بذلك أن يتصرف الطفل تصرفاً سليماً صحيحاً.

فترى الأب يغضب ويعاقب ابنه للتشفي منه في حين أنه ليس عليه ذنب، فالشرع الشريف قد رفع عنه القلم، ولم يؤاخذه حتى على الصلاة إلى سن العاشرة، وقبلها يؤمر فقط بالصلاة إذا بلغ السابعة فما بالك بما دون ذلك؟! فالشاهد أننا مع الأطفال نتهاون في التصرف أمامهم بتصرفات دون أن نقدر خطرها عليهم في المستقبل، ونتصور أن السكوت على أمر ما هين يسير، ولكن السكوت على هذا الشيء قد يهدم الأسرة هدماً تاماً! قد يتصور الأب أن أولاده الصغار لا يستحقون أن يخصهم بجزء من وقته الثمين، فهو يضحك ويسخر منهم، ولا يأمر واحداً منهم بخير، ولا ينهاه أو يحذره من شر، ولا يقدر المستقبل، ولا يدري أن هذا الطفل الصغير سيكون بعد مدة وجيزة رجلاً كبيراً، وقد يكون له شأنه في البيت وفي المجتمع كله.

هذا هو الأمر الأول الذي ينبع من أنفسنا، ونسيء به إلى أبنائنا، وهو عدم تقدير المستقبل، ولا نحس بخطورة الإهمال الذي نتمادى فيه تجاه الأولاد، فهذا له ثمن فيما بعد، فهو يراك -مثلاً- حينما تعق أباك أو تعق أمك، فهذا درس عملي له، وسوف يتسرب إليه نفس هذا الشيء فيما بعد، ويفعل نفس الشيء فيعقك أنت، قال تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:٢٦].

فالسلوكيات التي تمر بصورة عفوية ولا ندرك خطرها في المستقبل، هي تنزرع في أعماق هذا الطفل حينما يشب وينشأ عليها، فهذا هو الأمر الأول: عدم تقدير المستقبل والنظر إلى عواقب سلوكياتنا مع الأبناء.