للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدب السادس: كراهة الذكر والقراءة حال قضاء الحاجة]

يقول ابن قدامة: ولا يذكر الله تعالى على حاجته إلا بقلبه.

فإذا سمع المؤذن يؤذن فلا يردد الأذان بلسانه لكن بقلبه، وكره ذلك ابن عباس وعطاء وعكرمة.

وقال ابن سيرين والنخعي: لا بأس به؛ لأن الله تعالى ذكره محمود على كل حال.

وروى المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه، فلم يرد علي حتى توضأ، ثم اعتذر إلي فقال: إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر، أو قال: على طهارة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة.

وفي رواية البيهقي: (فسلمت عليه وهو يتوضأ فلم يرد علي) والكراهة المذكورة في هذا الحديث بمعنى ترك الأولى، لا كراهة التنزيه.

يقول ابن المنذر: وترك الذكر أحب إلي ولا أؤثم من ذكر، يعني: لا يحرم الذكر في هذه الحالة باللسان، لكنه مكروه كراهة تنزيه.

يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله: ولنا على هذه الكراهة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد السلام في هذه الحال، فذكر الله أولى من السلام ألا يفعل، فإذا عطس حمد الله بقلبه ولم يتكلم.

وقال ابن عقيل: توجد رواية أخرى عن الإمام أحمد أنه يحمد الله بلسانه إذا عطس.

والأول أولى للحديث الآنف الذكر أنه عليه الصلاة والسلام لم يرد السلام، مع أن رد السلام واجب، ففي هذه الحالة يمنع رد السلام مع وجوبه فكيف بما هو دونه مما ليس بواجب؟! وأيضاً لا يسلِّم الإنسان حال قضاء الحاجة ولا يرد على مسلِّم؛ لما روى ابن عمر: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم فلم يرد عليه السلام) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية البيهقي: (فسلمت عليه وهو يتوضأ).

وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل حديث ابن عمر: (مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه) فقال: أخرجه مسلم وغيره، وجاء في بعض الروايات: (فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر، أو قال: على طهارة).

ثم قال الألباني في إرواء الغليل: هذه الزيادة فيها فائدتان: الأولى: أن ترك الرد لم يكن من أجل أنه كان على البول فقط كما ظن الترمذي حيث قال: وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، كما فسر بعض أهل العلم ذلك.

ثم يقول: فهذه الزيادة تدل على أن الترك إنما كان من أجل أنه لم يكن على وضوء، فلازم هذا أنه لو سلم عليه بعد الفراغ من حاجته لم يرد عليه حتى يتوضأ، ويؤيده حديث أبي الجهم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام) متفق عليه.

ويفيد هذا الحديث استحباب ذكر الله على طهارة، وصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله، لكن يستحب ألا تذكر الله عز وجل إلا على طهارة، فهذا من آداب الذكر المستحبة، والدليل أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن متوضئاً حين سُلم عليه ولم يستطع أن يتوضأ في هذه الحال؛ فعمد إلى الجدار وتيمم حتى يرد عليه السلام، وهذه إشارة واضحة إلى استحباب أن يكون الإنسان متطهراً إذا أراد أن يذكر الله تبارك وتعالى، وأولى ثم أولى ثم أولى إذا أراد أن يمس أو يقرأ القرآن.

يقول الألباني: الفائدة الثانية من هذه الزيادة: كراهية قراءة القرآن من المحدث لاسيما المحدث حدثاً أكبر، فإنه كره صلى الله عليه وسلم أن يرد السلام من الحدث الأصغر فبالأحرى أنه يكره قراءة القرآن منه فضلاً عن الجنب.