للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار الأخلاقية السيئة للتلفاز]

إن الآثار والبصمات التي يطبعها هذا الجهاز على الأسرة إنما تسري وتنطبع في نفوسهم بهدوء وبطء وخفاء، ولا تظهر على مدى يوم أو يومين وإنما تظهر بمرور الوقت في صور ما يسمى بمشكلات التلفزيون.

لا شك أنه من المعلوم والملاحظ أن حال الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله- في يوم الإجازة ارتياد المساجد لصلاة الجماعة، لكن عندما يكون في نفس الوقت مباراة مهمة -كأنهم سيفتحون عكا وفلسطين والقدس- تجد المساجد خاوية، وتجد دروس العلم خاوية، حتى رواد المساجد يفتنون بهذه الصورة، ويضيعون صلاة الجماعة من أجل هذا الخبيث.

تجد النزاعات العائلية، دمر كل شيء، إذا دخل بيتاً أذن بخرابه، إذا دخل قرية أذن بخرابها، قطع الأواصر، وأفسد وخبب بين الزوجات والأزواج، وأثار النزاعات بين الآباء والأبناء، فمثلاً: إذا أراد الآباء -مراعاة للمروءة ومن باب الحكمة والوقار والهيبة- منع أولادهم من النظر إلى شيء معين إذا بالأولاد يقاومون، ومن ثمَّ تحصل النزاعات والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة، الأبناء يتشاجرون على القناة التي يريدون أن يروها، ثم إصرار الأبناء على السهر وانصرافهم عن واجباتهم محاكاة وتقليداً لما يرونه من العنف والعدوانية، وأيضاً ما يقع من كثير من الشباب -وهم قد صاروا بالتلفزيون أطفالاً صغاراً غير راشدين- صاروا يعانون من النقص، ويحاولون إكمال هذا النقص عن طريق التقليد والمحاكاة.

لقد دمر التلفزيون الكثير من القيم والأخلاق الإسلامية، ولنذكر مثالاً على ذلك: شرع الله تبارك وتعالى الاستئذان، وما الحكمة من تشريع الاستئذان؟ قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:٥٨] إلى آخر الآية في سورة النور، حتى لا يطلعوا على العورات، وقد دمر التلفزيون هذه الحرمة، وضيع الحكمة من تشريع الاستئذان، أمر الشرع الأولاد والأطفال أن يستأذنوا قبل الدخول على الأبوين في أوقات خاصة من أجل الستر والصيانة والعفاف، لكن هذا الجهاز الخبيث هتك هذه الأستار، ولم يعد لهذه الأمور احترام ولا صيانة ولا سرية ولا ستر، بل تكشفت المرأة في هذا الجهاز بصورة مبتذلة ورخيصة، وفي إسفاف بالغ.

إذا تأملنا حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها حينما كانت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرجال والنساء قعود عنده -الرجال أمامه والنساء في الخلف-، فقال عليه الصلاة والسلام: (لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرم القوم -سكت الصحابة وأحرجوا من هذا-، فقالت أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: إي والله -يا رسول الله- إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون -اشتكتهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: نعم -يا رسول الله- يفعلون ذلك، الرجال يتحدثون، والنساء أيضاً يفعلن نفس الشيء فيما بينهن- فغضب النبي عليه الصلاة والسلام والسلام فقال: فلا تفعلوا -لا يتحدث الرجل ولا المرأة بما يكون بينهما من أمور خاصة- فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)، فتأملوا هذا المثال فيما ضربه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ضربه فيما يكون بين الزوجين، وهذا يكون في حدود ما أحل الله تبارك وتعالى، فكيف إذا كان الذي يكشف ذلك هما شيطانان حقيقة من شياطين الإنس، وإذا كان الكلام في الحديث هنا في مجرد الحكاية فكيف إذا انضمت إليها المشاهدة والعياذ بالله، وقد قيل: حسبك من شر سماعه.

فكيف برؤيته؟!