للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الجهاد في الإسلام وعدم منافاته لسماحة الإسلام]

أما الجهاد لنشر الإسلام الذي هو جهاد الطلب وهو جهاد النصر لدين الله وجهاد الدفاع عن الأديان والمقدسات والأعراض والأموال فليس فيه منافاة للسماحة، فهو لا يكون إلا بعد استنفاذ الوسائل الأخرى؛ إذ هو لنشر الإسلام وإبعاد الشانئين الصادين عن سبيل الله، ولذلك فإن مظاهر السماحة فيه بينة، وهذا ما توجهه الفقرة التالية، فيذكر هنا المؤلف سماحة الإسلام في الجهاد، ويذكر حديث بريدة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله).

ونحن نرفض تماماً أن يقارن الإسلام بغيره من النظم الوضعية؛ لأن البشر حينما يضعون مواثيق وعهوداً ونظماً فيما بينهم، ويتنازل بعضهم مع بعض في المبادئ، سواء أكانت هذه النظم مع أمم نصرانية أم أجنبية أم مع أي شيء كان، فدين الله لا يتساوى مع غيره من الأديان، وهذا لا يمكن قبوله أبداً، فأهل الباطل دائماً يكونون مستعدين للتنازل حتى يتعايشوا تعايشاً سلمياً كما يزعمون، فأهل الباطل عندهم الحل الوسط هو أن نلتقي في وسط الطريق، نعبد معك إلهك سنة أو شهراً وتعبد إلهنا سنة أو شهراً، وهذه هي المساومة من كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تبارك وتعالى بهذه الشدة وهذه الصرامة والوضوح: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ} [الكافرون:١ - ٦] أي: الذي هو الباطل.

{وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦] أي: الذي هو دين الحق.

وليس معناه أن تقول: لكم دينكم ولي دين، وكل واحد على دينه.

لا، لكن المقصود بقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ} [الكافرون:٦] أي: دينكم الباطل.

كقوله عز وجل: {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس:٤١] يعني: كلانا على طريق آخر، ولا يحصل التقاء بين هذين الطريقين.

وإنما ذكرنا هذا لأن هناك تلاعباً شديداً بعقول بعض المسلمين، حيث فهموا موضوع التسامح فهماً خاطئاً، حتى إن بعض الناس من المسلمين كتب مقالات في الجرائد فيها الحمية والحماس يقول فيها: كيف تصفون النصارى بأنهم كفار؟! وبعض العلمانيين كتب في هذا وقال: إن اليهود والنصارى والصابئين كلهم داخلون الجنة.

واستدل على هذا بقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة:٦٩] ونقول: هذا تحريف وإلحاد في آيات الله تبارك وتعالى.

ونعود إلى موضوعنا، فقضية الجهاد جاءت به شريعة الله سبحانه وتعالى لمن كان مؤمناً بها، فلا يناقش، لكن يقول: سمعنا وأطعنا.

فالله سبحانه وتعالى هو الذي فرض الجهاد، فهل تطيع الله أم تصطحب أي مذهب أو دين باطل؟! فالكفر كله الآن متحد ضد المسلمين، كل العالم بلا استثناء، فالمنافقون والزنادقة واليهود والنصارى والهندوس عباد البقر وعباد الأصنام متحدون ضد المسلمين، وهناك بعض الناس عندهم أمل في بطرس غالي على أساس أن هذا الرجل يتبع الأمم المتحدة والسلام والإنسانية إلى غير ذلك، وأقول: هذا خصم للإسلام، فهو في كل معركة بين الإسلام وأعدائه لابد من أن ينضم إلى أعدائه، فهل ينتظر من مثل هذا أن يكون عنده رأفة أو رفق بالمسلمين؟! هل ننتظر من الهندوس رأفة ورفقاً؟ انظر إلى الدساتير والقوانين التي لا تنفذ إذا كانت المعركة ضد المسلمين، هذا هو الوضع الحقيقي، حيث تجد أهل الباطل يتعايشون فيما بينهم، لكن لا يتعايشون مع الدين الإسلامي؛ لأن الوحي أوضح عقيدة الولاء والبراء بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] فالله سبحانه المطلع على ما في قلوبهم هو الذي يخبرنا بذلك.

فإذاً: أهل الباطل فيما بينهم يتنازلون حتى يتعايشوا، أما مع الحق فلا يمكن أبداً أن يحصل التقاء في وسط الطريق بين عقيدة الحق وبين هذه الأديان المزيفة أو المحرفة.

فبالنسبة لقضية الجهاد لا داعي لأن نتنازل ونقول: إن الجهاد في الإسلام كان جهاد دفاع لا جهاد طلب.

كلا، إن الإسلام دين جهاد ومبادءة، ولذلك على المسلمين أن يكونوا أقوى الناس وأشد الناس أخذاً بأسباب القوة، حتى ينتصر أهل الحق على أهل الباطل، ولم يحصل أن الإسلام أكره أحداً على الدخول فيه، كما هو معروف، بل إن الدين الإسلامي خير المشركين بين دفع الجزية وبين القتال؛ لأن الهدف من هذا الجهاد هو حمل الأمة لهذه الرسالة إلى البشر؛ لأجل سعادتهم في الدنيا والآخرة، وحتى لا تقف جيوش الكفر على حدود هذه البلاد وتمنع من انتشار هذا النور الذي أنزله الله للعالمين رحمة للناس، بل الهدف من الجهاد أن يدخل الناس الجنة ويقادوا إلى الجنة ولو بالسلاسل.

فهؤلاء الطواغيت يقفون بجيوشهم ليدافعوا حسب زعمهم عن الوطن وتراب الوطن المقدس وغير هذا.

والملاحدة والزنادقة يصفون الفتح الإسلامي بأنه هدم، ويقولون: إن بلادنا ظلت مستعمرة منذ كذا سنة.

ويقصدون بهذا أبهى فترة عاشتها بلادنا، وهي فترة العصر الإسلامي المشرق.

فالحمد الله الذي وفق هؤلاء المجاهدين من الصحابة الذين قهروا جيوش الفرس والروم حتى تمكنوا من أن يدخلوا إلينا دين الإسلام، وهذا من بركة جهاد هؤلاء الصحابة الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم وأبنائهم حتى يصل إلينا هذا الدين، وهناك من يحقد على الصحابة ويصفهم بأنهم غزاة، كما قال إسماعيل صبري في الأربعينات أو الخمسينات، قال: إنني أمقت النقاب والحجاب مقتاً شديداً؛ لأن الحجاب يذكرني بأولئك الفاتحين الأجانب الذين أتوا إلى هنا ونشروا الحجاب.

ويقصد بالفاتحين الأجانب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهم أطهر أمة وخير أمة أخرجت للناس، فلما عتا الباطل وانتفش وكان معه سلاح وقوة وقهر وبطش وإعلام وغير ذلك أبرز وأظهر ما كان بالأمس يخفيه، لكن الباطل في النهاية لابد له من أن يضمحل ويذوب، والمؤمن في حالة الضعف ينبغي أن يكون واثقاً بربه صامداً كالجبل في اعتقاده واعتزازه بحكم الله، ومعلوم أن الباطل مثل زبد البحر لا يلبث أن ينفض فقاقيع تطفوا على السطح، وكم سمعنا ممن حاربوا الإسلام ونكلوا بدعاة الإسلام وشوشوا على الإسلام ثم صاروا في خبر كان، وإذا ذكروا فلا يذكرون إلا باللعنة وبالدعاء عليهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحفظ الدين، وما وكل الله أحداً من الخلق بأن يحفظ دينه، قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] والقرآن يبطل مفعول كل هذه السموم، فأي فكرة خبيثة يحاولون نشرها ويجندون لها كل الطاقات لنشرها تأتي آية واحدة من القرآن تدحضها وتبطلها.

وعلى كل حال فإن الجهاد لابد من أن نستحضر أنه حكم إلهي وهو عين العدل الإلهي، والعدول عنه هو التطرف في الحقيقة.

يقول بريدة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغدوا باسم الله في سبيل الله) وقوله: (في سبيل الله) يعني أنهم ما أرادوا مالاً ولا جاهاً ولا دنيا ولا شهرة، وإنما جاهدوا وضحوا في سبيل الله عز وجل، ولذلك رفع الله ذكرهم في العالمين، قال (اغدوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغدوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا) فنهي عن الغدر وعن التمثيل بالجثث، وقد روي أن المسلمين لما أرادوا فتح فارس مثل الخبثاء الفرس بجثث المسلمين، فقطعوا أعضاءهم وشوهوا جثثهم بعد قتلهم، فأقسم بعض المسلمين ليمثلن بهم كما مثلوا بقتلى المسلمين، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال لهم: (ومتى كان لنا في الفرس أسوة؟!) أي: نحن أسوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد غضب عليه الصلاة والسلام أشد الغضب حين وجد بين القتلى أطفالاً صغاراً وذرية، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألم أنه عن قتل الذرية) فهذه هي الأخلاق، وهذه هي القيم، وهذه هي المثل والفضائل، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين) إلى آخر الحديث