للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة الانفعال]

من هذه السمات قوة الانفعال: فبسبب التكامل العضوي والعقلي يملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات، ويدرك ما يدرك الكبار من الاستثارة والشعورية، فهو يحب ويكره، ويهدأ ويغضب، ويتأنى ويعجل، ويجرؤ ويخاف، وهكذا أيضاً صفات الرحمة والشفقة والشجاعة والأنفة والإخلاص والمودة والعطف والبر إلى آخرها، لكن مع وجود كل هذه الانفعالات -التي هي موجودة عند الكبار- تنقصه أيضاً في هذا المجال الخبرة والتجربة، ويستولي عليه التغير السريع المتتابع، فهو من حيث النمو والنضج يعيش في أوضاع وسمات جديدة عليه كل الجدة، ومن حيث البيئة والاكتساب لم تعركه التجارب بعد، ولم تثقله الخبرة، فبضاعته في هذا الشأن قليلة مزجاة، وزاده محدود جداً إن كان له زاد.

ومن هنا فإن من أصعب الأشياء عليه أن يضع الشيء في موضعه، أو أن يعطي كل ذي حق حقه، أو أن يمسك إذا اقتضى الحال الإمساك، أو يطلق إذا اقتضى الحال الإطلاق؛ شأنه كمن يملك الوسيلة والمادة لكنه لا يجيد استعمالها بحسب المقتضى والحال، لذلك لا يستقر في انفعالاته، ولا يكون واقعياً في التعبير عنها، فيغضب كثيراً وسريعاً وربما لأسباب حقيرة قد لا يستطيع التحكم في المظاهر الخارجية لحالاته الانفعالية؛ فقد يلقي أو يحطم ما في يديه قد يتلف بعض المقتنيات قد يشتم أو يسب أو يهدد أو يضرب، وهو عندما يرغب في شيء يسرع إليه ويسعى حثيثاً في طلبه، ويتعجل في اتخاذ القرارات الخطيرة بشأنه، بل إذا أحب أسرف وبالغ، يتعلق بمن يحب، ويهيم به، ويضحي من أجله، ويملك عليه لبه، ويستولي على حاله ومخيلته، وهو حديثه وشغله الشاغل، وهذا سر شيوع الغرام والهيام في هذه السن.

والله سبحانه وتعالى وضع هذه الفطرة في هذه المرحلة؛ لأن أولى الناس بها هم أهل الدين والإسلام والطاعة، فهذه الطاقة تعطى لتصرف في تسخيرها لطاعة الله سبحانه وتعالى، وإقامة العبودية له، لكن تعتري ذلك عوامل كثيرة تخرج بهذه الطاقة إلى مجال آخر، فالمراهق إذا أعجب بشخص أو جماعة أو أنموذج سعى إليه وجمع الناس عليه، وبذل في سبيله، وبالغ في مدحه، ودافع عنه ونافح، ووضعه في أول مهماته التي لا يساوم عليها؛ وهذا من أسرار تعلق المراهقين الشديد بالرياضيين وبالفرق الرياضية، وبأصحاب الفن والتمثيل والمغامرات، وأبطال السيرك، وأبطال التاريخ أحياناً؛ فما سر هذا التعلق وهذا الغلو، أو ما سبب هذا الانفعال الشديد بهذه الصورة؟ -هذا من جهة المشهورين كأبطال، وليست هذه البطولة، لكن نحن نتعامل مع الواقع الموجود الآن في مجتمعنا- هؤلاء الأبطال في نظره توفرت لهم أشياء مهمة: الشهرة الظهور مكانة اجتماعية، ومكانة اعتبارية متميزة، الآن أصبحت هذه النماذج مجربة ومقربة وموثقة يتم الاحتذاء بها، والتوحد معها، ويترتب على ذلك الضعف في المراهقين واللمعان في المشتهرين: الميل والتعلق والإعجاب الشديد، والمبالغة في التأييد والمناصرة والتشنج.

والعكس أيضاً صحيح! فالمراهقون يبالغون في الكراهية عندما يكرهون، ويظهرون من المقت والسخرية ما ينبئ عن هذه المبالغة، وانظر في مواقفهم من الفرق الرياضية التي لا يحبونها، أو الأشخاص الذين يكرهونهم؛ كبعض مدرسيهم مثلاً.