للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستدلال بالرؤى المنامية]

جادلني رجل كان يسير على بدعةٍ لم يشرعها الله، إذ كان يقوم على القبور بعد أن يدفن أصحابها ليلقن الميت حجته، ويعرفه بما يجيب به رُسل ربه، جادلني هذا الرجل بأن هذا مشروع بدليل أنه رأى في منامه كيف يُفعل بالميت منذ نزع الروح إلى الدفن، واستدل على هذا التلقين بالرؤى، فقلت: إن ديننا تام كامل لا ينتظر شخصاً يكمله بالرؤيا والمنام، وكيف يكون جوابك عندما يأتيك رجل آخر يزعم أنه رأى خلاف ذلك؟! من الذي نتبعه أنت أم هو؟! كلا لا نتبع لا أنت ولا هو، بل نتبع من هديه خير الهدي وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

أيضاً هناك أمر مهم جداً، هل هذا الشخص النائم هو في موقع تكليف؟! الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (رُفع القلم عن ثلاثة) وممن رفع عنه القلم النائم حتى يستيقظ، فبعض الناس يأخذ تكاليف وتشريعات من المنام، فحالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق، العلماء قالوا: لو أن الرجل في مجلس التحديث غلب عليه السِنة والغفلة والنوم وعدم التركيز لا يُقبل خبره ولا تقبل روايته، فما بالك بشخص استغرق في النوم كيف يُقبل خبره؟! بعض الناس يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي: افعل كذا ولا تفعل كذا، واكتب هذه الورقة وانشرها، وإذا لم تنسخها سبعة وثلاثين مرة يصيبك كذا، ما هذا الكلام؟! ويقولون: إن تاجراً لم يفعل هذا فاحترق محله، ومات أولاده، وكل الكوارث أصابته، أما من نفذ الكلام فحصل على كذا وكذا، وتكثر مثل هذه الخطابات، وتُرسل لكثير من الطلبة من المسلمين أثناء فترة الامتحانات، وهذا شيء غريب! فالشاهد مثل هذه الأشياء التي تظهر بين حين وآخر نضع له ضابط وينتهي بهذه الطريقة، فنقول: النائم ليس في موضع التكليف، والنوم عذر من الأعذار التي تسقط الأهلية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) هذا عُذر.

وإذا تقرر شيء في الشرع فلا يمكن أبداً أن يتغير بسبب رؤية منامية، وقد حكى الإمام النووي رحمه الله تعالى الاتفاق على ذلك، ومن الأمثلة على ذلك: ما رُوي أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه رِكازاً إما معادن وإما كنز فخذه لك، ولا خُمس عليك فيه، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره فوجد الركاز فيه، فاستفتى علماء عصره فأفتوه بأنه لا خُمس عليه لصحة الرؤيا ودليل صحة الرؤيا أنه بالفعل لقيه في هذا المكان، وأفتى العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى بأن عليه الخُمس وقال: أكثر ما ينزل منامه منزلة حديث صحيح، وقد عارضه ما هو أصح منه، وهو حديث: (في الركاز الخمس) والقاعدة: أنه حينما يتعارض حديثان فمن طرق ووسائل الترجيح أن يكون أحدهما أقوى من حيث الصحة، فهذا أصح منه، ولا شك أن المنام سيكون دون ذلك، فيرد المنام ويُعمل بالراجح منهما.