للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم العمل بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم في المنام]

قد تكلم العلماء في قضية أن الإنسان لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بأمر هل يلزمه العمل بهذا الأمر ويكون قوله حجة؟ بعض أهل العلم -منهم أبو إسحاق الإسفراييني - ذهبوا إلى ذلك، وجمهور العلماء أبوا ورفضوا هذه الطريقة، واتفقوا على أن أي شيء مما ينتج عن الرؤية إذا خالف الشريعة فهو مردود، وإن وافقها فهو أمارة يستأنس بها، وإن لم يوافقها ولم يخالفها جاز العمل بها، وهاك بعض النصوص: قال النووي رحمه الله: إن الرائي وإن كانت رؤياه حقاً لكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شروط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة، ولو كان الذي يرى الرسول عليه الصلاة والسلام فعلاً قد رآه حقاً، كأن يكون صحابياً.

وقال الإمام ابن الحاج: إن الله لم يكلف عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رُفع القلم عن ثلاثة) وعد منهم النائم حتى يستيقظ؛ لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف، فلا يعمل بشيء يراه في نومه.

وقال الشاطبي: لا يستدل بالرؤى في الأحكام إلا ضعيف العقل، نعم قد يأتي المرئي تأنيساً وبشارةً بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً، ولا يبنون عليها أصلاً، وهو الاعتدال في أخذها حسبما فُهم من الشرع فيها.

إن الشرع الذي شرع الله لنا قد كمله الله عز وجل وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣]، فشريعتنا شريعة تامة وكاملة وغير ناقصة، ولا تحتاج لأي إضافة، ولا تحتمل أي إضافة؛ لأنه لم يبق للأمة في أمر دينها شيء ناقص، وقد انقطعت البعثة بتبليغ الشرائع وإتمامها وبموت النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا تعلم أن لو قدرنا ضبط النائمِ لم يكن ما رآه من قوله صلى الله عليه وسلم أو فعله حجةً عليه ولا على غيره من الأمة.

وقال العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى: أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي فهو مخالف للأدلة الشرعية ولإجماع أهل العلم والإيمان.

أُنبهكم جداً للاهتمام بهذا الأمر والانتباه له وأن نكون يقظين؛ لأن الشيطان لا ييئس، وقد يأتي إلى بعض الناس وقد يكون من الصالحين والمستقيمين على السنة، وقد يأتي ويدّعي أنه المهدي، وقد يأتي باختراع جديد وهو أنه ليس المهدي وإنما هو المنصور الخليفة الذي سيمهد للمهدي أو سيساعده أو شيء من هذا، وأحاديث المنصور كلها ضعيفة، أو يأتيه الشيطان في المنام ويقول: هذه وصية محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رأت إحدى المسلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مدينة كذا في وقت الشمس فيه ساطعة في السماء وبعد أن صلى بالمسلمين من أهل البلدة رجال ونساء، كتب الرسول عليه الصلاة والسلام وصية يقول فيها: وصية محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل المسلمين خذوا أميركم وقائدكم فلان بن فلان، وبعد أن انصرف رسول صلى الله عليه وسلم، وقف فلان هذا مكانه، وقال للمسلمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران:١٠٣] إلى آخر الآية الكريمة.

أيها المسلمون! إن وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حق ويجب أن تعملوا بها، ففر الناس كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، لم يبق أحد ملتحٍ إلا صافح هذا الشخص بكلتا يديه، وقال: أقسم بالله أن وصية الرسول حق، وأنا أؤازرك وأُناصرك، فهذا الكلام ينبغي أن يغلق بابه، يكفي ما حصل في الحرم المكي.

فواحد يأتي يقول: أنا المهدي، وواحد يقول: أنا المنصور، ويبدأ الشيطان يتلاعب بعقول البسطاء والسذج من حوله، نقول: هذه الرؤية من الشيطان.