للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مضاهاة خلق الله تعالى بها]

العلة الثانية: أن فيها مضاهاة لخلق الله تعالى، فالذين يتكلمون في الفضائيات والمجلات والجرائد إما أنهم جهلة وإما أنهم مدلسون؛ لأنهم يخفون الحقيقة، فهم يدلسون في الكلام، وإنه ليشك في نزاهة هؤلاء الناس أو كثير منهم، فهم يحرصون على دعوى أن الناس قد ترقوا، والعقيدة راسخة لا يضرها وجود التماثيل إلى آخر هذا الكلام.

فنقول: هل العلة -فقط- هي سد الذريعة دون عبادتها؟

و

الجواب

لا، فهناك علة أخرى ما زالت قائمة، وهي علة مضاهاة خلق الله؛ لأنه كما يحرم على المخلوق أن يشبه الله بالمخلوق، فكذلك يحرم عليه أن يتشبه بفعل من أفعال الخالق سبحانه وتعالى، فلا نشبه الله بخلقه ولا نتشبه المخلوق بفعل هو من خصائص الخالق وهو التصوير والخلق، فهناك مضاهاة لخلق الله تبارك وتعالى كما جاء في الحديث: (الذين يضاهون بخلق الله) وقال: (الذين يشبهون بخلق الله)، ويقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)، وأيضاً في الحديث: (كلف أن ينفخ فيها الروح)، أي: كلف على سبيل التعجيز له أن ينفخ فيها الروح.

إذاً هذه العلة ظاهرة ثابتة ولا تنسخ، ولا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا بتغير حجم التماثيل والتصاوير واختلافها، يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب العهد من الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد.

يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: وهذا عندنا باطل قطعاً؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، فإنهم يقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل، وقد صرح بذلك في قوله: (المشبهون بخلق الله)، وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زماناً دون زمان، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خيالي يمكن أن لا يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره، وهو التشبيه بخلق الله تبارك وتعالى.

اهـ