للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الوعد بالمعروف وبين بيع المرابحة المعاصر]

هناك فرق بين الوعد بالمعروف وبين بيع المواعدة -بيع المرابحة- الذي تجريه المصارف الإسلامية، فالوعد بالمعروف مثاله: من يعد شخصاً بقرض، فيقول له: بعد شهرين أقرضك المبلغ الفلاني، أو وعده بالعتق فيقول له: بعد شهرين أعدك بأني أعتقك أو يقول: بعد شهر أتصدق عليك أو أعيرك وهكذا.

هذا هو الوعد بالمعروف، فهو عقود المعاوضات التي يقصد بها تحصيل المنافع، وإدرار الربح لا تدخل في المواعدة، فالوعد بالمعروف عقد من عقود الارتفاق والإحسان إلى الناس، وليس من باب الكسب التجاري المتعلق بالمعاوضات، وسنزيد هذا إيضاحاً إن شاء الله تعالى فيما بعد.

ومن أمثلة الوعد بالمعروف أن تعد شخصاً أن تخصم له ثلث الدين الذي عليه، أو تقول: أعدك أني سأقرضك أعدك أني أهبك أعدك أن أعيرك عارية، فهذا وعد بإنشاء معروف في المستقبل، وهو يختلف تماماً عن بيع المواعدة الذي نتكلم فيه؛ لأن كل هذه الصور التي ذكرناها ليس فيها كسب تجاري، وليست معاوضة تجارية، وليس لها مقابل، فلو كان لك عنده من الدين مائة، فقلت: سأخصم منها خمسين فقط، فهل هذه تعود عليك بربح مادي؟ لا، بل هذا نوع من الارتفاق بين الناس والرحمة والتراحم والإحسان إليهم، فالأمثلة التي ذكرناها التي فيها الوعد بالمعروف لا علاقة لها بقضيتنا التي هي الكسب التجاري.

لماذا نذكر هذا التفريق؟ لأن بعض من يبيح بيع المرابحة المعاصر يقول: هذا من باب الوعد بالمعروف، ويجب على الإنسان أن يلتزم بالمعروف إذا وعد به، فلابد أن نميز الوعد بالمعروف من باب الارتفاق عن بيع المواعدة أو المرابحة التي تجريه المصارف المعاصرة، فهذا وعد تجاري مع المصرف، وليس وعداً بالمعروف.

فالوعد التجاري هو تداول سلعة بالثمن والربح، ولما تحصل ملكيتها بعد، وصورتها: معرض ثلاجات وأجهزة منزلية، يذهب صاحبه إلى نقابة أو نادي أو نحو هذا، ويعرض عليهم السلع، فرجل من هذه النقابة أو النادي يرى ثلاجة ويريد أن يشتريها، ولكن سعرها مرتفع ولا يستطيع أن يدفعه مباشرة، وهو محتاج إلى مال حتى يشتريها، فيذهب إلى البنك ويقول له: أنا رأيت ثلاجة بالصفة الفلانية، وأنا أريد أن أقتنيها، وليس معي مال، فاشترها لي أنت، وأنا أشتريها منك فيما بعد، فالبنك يشتري الثلاجة حسب المواصفات المتفق عليها سلفاً، ويدفع ثمنها نقداً لصاحب المعرض، ويبيعها هو بعد ذلك إلى العميل بأقساط على أمد بعيد، والمبلغ أعلى حتى يربح، فما هو الإشكال هنا؟ الإشكال أنك عندما تذهب إلى البنك من أجل أن تشتري هذه السلعة، فهذه السلعة غير موجودة أصلاً في حوزته، ولم يمتلكها، فماذا يعمل البنك؟ يأخذ منك الضمانات على ألا ترجع في كلامك، وأنك لابد أن تلتزم بأخذها منه، وهذه هي صورة بيع المرابحة للآمر بالشراء الجارية في البنوك المعاصرة.

فهي وعد تجاري مع المصرف، بمعنى: تداول سلعة بالثمن والربح ولما تحصل ملكيتها بعد، يبيعها لك قبل الحصول عليها، فهذا يتنزل على حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه: (لا تبع ما ليس عندك).

وباختصار شديد: هذا بيع من بيوع المعاوضات المحرمة، مثل بيع العينة، وبيع الغرر، وتعليق العقود بالشروط ونحوها من الحيل المحرمة.

إذاً: هناك فرق بين الوعد بالمعروف وبين بيع المواعدة التي هي المرابحة المعاصرة؛ فالوعد بالمعروف عملية ارتفاق وليس فيها شبهة الكسب التجاري، أما بيع المواعدة أو المرابحة التي تجريه المصارف المعاصرة فهو من بيوع المعاوضات المحرمة؛ لأنه يبيع ما ليس عنده، فالخلاف القديم في حكم الوفاء بالوعد لا ينسحب على هذا؛ ولذا سنذكر الآن خلاف العلماء في الوعد المالي، هل يجب الوفاء به أم لا؟