للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواعدة الملزمة بالاتفاق بين الطرفين]

هذه هي غالباً الصورة التي فيها الإشكال، وهي التي تتعامل بها المصارف الإسلامية -كما تسمى- وتنبني على المواعدة الملزمة بالاتفاق بين الطرفين مع ذكر مقدار الربح، فما معنى ملزمة؟ أي: أن البنك يأخذ ضمانات كافية جداً على أن هذا الرجل لا يرجع عن كلامه أبداً، فيبيع له السلعة قبل أن يمتلكها.

فليس العقد عبارة عن اتفاق إرادتين على إنشاء حق، بل اتفاق إرادتين على إنشاء حق بحيث يصير ملزماً، فهذه المواعدة ملزمة بالاتفاق بين الطرفين مع ذكر مقدار الربح، وهي: أن يرغب العميل بشراء سلعة معينة ذاتها أو جنسها المنضبطة عينها بالوصف، فيذهب إلى المصرف، ويتفقان على أن يقوم المصرف ملتزماً بشراء البضاعة من عقار أو آلات أو نحو ذلك، ويلتزم العميل بشرائها من المصرف بعد ذلك، ويلتزم المصرف ببيعها للعميل بثمن اتفقا عليه من قبل.

إذاً: هذه المعاملة تتركب من الآتي: أولاً: المواعدة بين الطرفين: هذا وعد بأن يشتري وهذا وعد بأن يبيع، على ألا يرجع أحدهما في كلامه.

ثانياً: الالتزام بالمواعدة: أي: أن هناك مواعدة والتزاماً بالاتفاق بين الطرفين قبل حيازة المصرف للسلعة، وقبل أن تستقر في ملكية المصرف، مع ذكر مقدار الربح مسبقاً، واشتراط أنها إن هلكت فهي من ضمان أحدهما بالتعيين، بينما في المعاملة الشرعية لا يحتاج الأمر أصلاً لذكر من الذي يضمن؛ لأن البنك هو الذي يضمن إذا تلفت السلعة أو احترقت أو أصابها أي شيء، فالذي يشتري السلعة هو المسئول عن ضمانها، لكن في المواعدة يوجد بند في الاتفاق: إذا أصاب السلعة أي تلف فالذي يضمن هو المشتري نفسه، أما من الناحية الشرعية فهذا الشرط لا ينبغي أن يكون له وجود أصلاً؛ لأنه لا محل له في هذا التعاقد حتى لو اتفق الطرفان على أن البنك هو الذي يضمن؛ لأن الآمر بالشراء ما دخلت السلعة في ذمته.

إذاً: الصورة تتركب من المواعدة والالتزام بها بالاتفاق بين الطرفين قبل حوزة المصرف للسلعة، وقبل استقرارها في ملكه مع ذكر مقدار الربح مسبقاً، واشتراط أنها إن هلكت فهي من ضمان أحدهما بالتعيين، وهذا الاشتراط لا يجوز شرعاً، والمفروض أن البنك هو الذي يضمن، لكن هذه مسألة مبدأ، لا ينبغي أن يقال فيها: هذا البنك ضامن، وطبيعي أن البنك هو الذي يضمن، وهذا مما لا يحتاج إلى ذكر.

وهذه الصورة حكمها كما يقول الفقهاء المحققون: البطلان والتحريم؛ لأن حقيقتها القرض بفائدة، وسنذكر الأدلة على هذا.

فالمرابحة المصرفية إذا أطلقت الآن في عصرنا فهي: أن يتقدم الراغب في شراء سلعة من المصرف؛ لأنه لا يملك المال الكافي لسداد ثمنها نقداً، ولأن البائع لا يبيعه إلى أجل، ولو أن البائع قال: أنا أبيعها لك إلى أجل انتهى الأمر، فيختار الأجل، لكنه يريد حالاً، والمشتري ليس معه نقود، فيذهب إلى المصرف فيشتريها المصرف بثمن نقدي ليبيعها على طالبها بثمن مؤجل أغلى، فإذا اشترى المصرف السلعة ولم يلتزم ببيعها على العميل أو لم يلتزم العميل بشرائها، وكان كل واحد منهما بالخيار، فالبيع جائز، لكن الواقع الذي يحصل في بعض البنوك أن البنك يأخذ ضمانات مثل الشيكات من أجل ألا يرجع المشتري في كلامه، ويشترط أن يؤمن المشتري على هذه السلعة، فإذا هلكت ولم يؤمن فهي من ضمان المشتري، وإذا هلكت وهو مؤمن فتتحمل الخسارة شركة التأمين، والتأمين من الظلم الذي شاع في هذا الزمان، ولعلنا نتكلم في فرصة أخرى عن التأمين بالتفصيل إن شاء الله.