للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الضوابط الشرعية لبيع المرابحة الآمر بالشراء]

نذكر هنا الضوابط الكلية التي تجعل بيع المواعدة أو بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تجريه المصارف الإسلامية في دائرة الجواز.

أولاً: خلوها من الالتزام بإتمام البيع كتابة أو مشافهة قبل الحصول على العين بالتملك والقبض، فليس من حق البنك بعد الإتيان بالسلعة إلزام العميل، وله الحق في أن يرجع في كلامه، وكذلك من حق المشتري عدم الالتزام بإتمام البيع كتابة أو مشافهة قبل الحصول على العين بالتملك أو القبض.

ثانياً: خلوها من الالتزام بضمان هلاك السلعة أو تضررها من أحد الطرفين العميل أو المصرف، بل هي على الأصل، والأصل أنها في ضمان المصرف، بل لا ينبغي أن يذكر هذا الشرط أصلاً، فلا يذكر البنك أنه ملتزم بها إذا هلكت، بل الأصل أن يبقى الشيء على ما كان عليه، فلا ينبغي النص في العقد على أن الالتزام بالضمان سواء على هذا أو ذاك، حتى لو قال: البنك أنا الذي أضمنها، فيكون موافقاً للكلام الذي نقوله، لكن هذا هو الأصل، ولا يحتاج إلى التنصيص عليه.

ثالثاً: ألا يقع العقد على المبيع بينهما إلا بعد قبض المصرف للسلعة واستقرارها في ملكه، يعني: لا يحصل عقد التبايع إلا بعد أن يمتلكها البنك بالفعل ويحوزها، وحينئذ يعقد العقد بين البنك والمشترى منه.

ونلخص الكلام في هذا الموضوع من رسالة للدكتور محمد سليمان أشقر حفظه الله اسمها: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، يقول في نهاية هذا البحث القيم: الذي يظهر لي -والله أعلم- أن التواعد على بيع المرابحة، وذكر السعر الذي سيشتري به الواعد في المرابحة، لا يجعلها إذا أتمت بعد ذلك حراماً خلافاً للمالكية، ولما فهمناه عن مذهب الحنابلة، ووفاقاً للمذهب الشافعي، ولما فهمناه عن مذهب الحنفية، ولما أفتى به فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز؛ لأن البنك يشتري لنفسه وهو يعلم أن العميل ربما لا يرجع إليه، وربما رجع فاشترى أو لم يشتر، فله مطلق الحرية في ذلك، ولأن البنك يستطيع أن يبيع لغير العميل؛ فلكل منهما أن يعدل عن وعده إذا وجد فرصة أنسب، ولأن السلعة إن هلكت تهلك على ملك البنك، وهذه الدرجة من المخاطرة، وهي: أن يكون البنك يشتري البضاعة وهو على غير يقين من شراء العميل لها بربح، وهذه الدرجة هي التي تبيح هذه المعاملة وتخرجها عن حيز التحريم إلى حيز الحل، وتفصل بين كون هذه المعاملة بيعاً وتجارة وبين كونها قرضاً، أما العمل على أساس الإلزام بالوعد السابق؛ فإنه يربط الواعد ويوثقه ويعدمه الرضا حال عقد الشراء اللاحق من البنك.

وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنه عند كتابة العقد هل عنصر الرضا والاختيار من المشتري موجود؟ لا؛ لأنه قد أخذ عليه ضمانات قبل العقد، ثم يعقد بعد أن يحوز السلعة ويبيعها له ويكتب العقد، فما فائدة هذا العقد؟ هل هو مسلوب الإرادة أم غير مسلوب؟ مسلوب الإرادة؛ لأخذه ضمانات كافية من قبل.

قال الأشقر: (فيكون المشتري مسلوب الرضا عند إجراء عقد شراء اللاحق من البنك، فيكون العقد صورياً، ويخرج عن كونه {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩]، إلى كونه قرضاً بفائدة؛ لأن الوعد الملزم يكون قد ربط ربطاً محكماً بين دفع البنك الثمن عند شرائه البضاعة، وبين أخذ العميل لها بثمن زائد، فتحققت صورة القرض، ولا ينفعهم أن يسموه: وعداً ببيع المرابحة؛ لأنه قد علم أن شرط العقود الرضا التام حين التعاقد، وبذلك التراضي يحل لكل من الطرفين ما يأخذه من مال الآخر، ومع ذلك، فلما في هذا التعامل من شبهة الإقراض بالفائدة فهو مكروه).

وربما قال البعض: إن وعد المرابحة مع مراعاة هذه الضوابط يعرض أموال البنك الإسلامي إلى المخاطر؛ فإن كثيراً من العملاء سيتراجعون عن الوفاء بوعودهم في كثير من الأحوال لعدم التزامهم، ولعدم لزوم شيء من الغرامة لهم في حال النكول؛ فيضطر لبيع البضائع في كثير من الأحيان بثمن بخس، فنقول: الرجل ممكن أن يرجع، والبنك ممكن أن يرجع، ولو جاء للبنك عميل سيربحه أكثر باع له، فعنصر احتمال الرجوع متوافر للطرفين، وهذا العقد الشرعي للصورة الشرعية سيجعل للطرفين مطلق الحرية، وإذا أتى عرض من البنك أفضل سيكسب أكثر قبل إتمام العقد، وكذلك العميل، لكن بلا شك أن البنك فعلاً هو المعرض للخسارة أكثر؛ لأن بعض السلع النادرة لا يشتريها كل الناس، يقول الدكتور الأشقر: وجوابي عن ذلك: أن هذا لا يعرض البنك للخطر بل يضيق دائرة تحركه نسبياً في مجال العمل بالمرابحة، فلا يتعامل إلا بالعمليات التي يطمئن فيها إلى العميل، والعمليات التي للبضائع المطلوبة فيها سوق رائجة، والعمليات التي تتم في برهة قريبة بعد الوعد، كشراء العقار في الداخل، وتبقى سائر العمليات التي فيها خطورة، فتحال على أنواع أخرى للتعامل.

يعني: أن البنك سيترك السلع التي فيها نوع من المخاطرة فلا يتعامل فيها بالمواعدة، ويتعامل فيها بالمضاربة أو المشاركة.

إذاً: يجب أن يصاغ الوعد بهذه الطريقة ليكون ظاهراً في عدم الإلزام والالتزام، ولئلا يؤخذ المؤمن بالحياء، بل يكون عقد البيع اللاحق عن تراض، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩]، وأرجو أن يكون الأمر قد فهم على وجهه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.