للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الله تعالى من أعظم نعيم أهل الجنة]

ذكر الله عز وجل من نعيم الدنيا لو يعلم الناس، وهو أيضاً من نعيم أهل الجنة، فقد ورد في (صحيح مسلم) (أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، طعامهم ذلك جشاء يخرج على جلودهم أطيب من ريح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس).

وقال مالك بن دينار: ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل، فالعبد لو جلس مثلاً نصف ساعة أو ساعة يذكر الله عز وجل فلاشك أنه يجد حلاوة في قلبه، ويجد أن قلبه يتمتع بذكر الله عز وجل، فهو من أعظم نعيم الدنيا، والجنة ليست دار تكليف ولكنها دار نعيم، ومع ذلك فقد جعل الله عز وجل من نعيم الجنة ذكره عز وجل.

وقد جاء في بعض الآثار: (أنّ لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا)، فأهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهم النفس، فنحن لا نبذل جهداً في النفس، بل حتى إنك تجد المغمى عليه يتنفس فلا يبذل جهداً في أخذ النفس، فأهل الجنة كذلك يسبحون، ويحمدون الله عز وجل على هذا النعيم، والجنة دار النعيم.

وهذه المجالس -كما جاء في بعض الآثار- هي رياض الجنة، ولاشك أن العبد المؤمن يجد فيها متعته، وهي نزهة لقلوب المؤمنين، فتتمتع فيها القلوب بسماع الحكمة وذكر الله عز وجل، فالعبد العاقل هو الذي يريد أن يربح أعظم الأرباح مع الله عز وجل، فنحن مثلاً لو جمعنا أوقات الصلوات سنجدها مثلاً ساعة في اليوم، وإذا كان أحد يقوم الليل فتصير ساعتين مثلاً، فتستطيع أن تضم إلى هذه الساعات القليلة ساعات كثيرة من العبادة وتكون مع الله عز وجل، وإذا كنت مع الله عز وجل كان الله عز وجل معك بالتأييد والنصرة، وتستطيع وأنت واقف تنتظر السيارة مثلاً أن تحرك لسانك بذكر الله عز وجل، وتستطيع وأنت راكب السيارة أن تحرك لسانك بذكر الله عز وجل، ولاشك أن العبد يجد فرصاً كثيرة جداً لكثرة الذكر، بحيث إنه يكثر ساعات عبادته، فبدلاً من أن تكون ساعتين يجعلها أربع أو خمس أو ست ساعات، والله عز وجل هو المعين على ذلك، ونسأل الله عز وجل الإعانة على الذكر كما في الحديث المسلسل بقول كل شيخ لتلميذه: (والله إني لأحبك، فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم! أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) فهذه علامة على المحبة، وهي وصية غالية من حبيب لحبيبه، وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً، ووصى بها معاذ من خلفه؛ حتى دوَّن الحديثَ أئمةُ السنة في كتبهم، فهذه الوصية وصية غالية، ونسأل الله عز وجل أن يعيننا عليها، وأن تكون ألسنتنا رطبة بذكر الله عز وجل.

وكذلك وصى الله عز وجل هارون وموسى لما أرسلهما إلى فرعون فقال: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:٤٢]، فيستعان بالذكر على الشدائد، وكثرة الذكر في الشدة علامة على المحبة كما في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:٤٥]، فأمر الله عز وجل بكثرة الذكر عند لقاء العدو، فهو قوة للقلب، وقوة للبدن، والذكر في الشدة علامة على المحبة كما قال عنترة: ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم فذكر العبد ربّه عز وجل عند الشدة علامة على محبته لله عز وجل، وهو من أعظم الأسباب الموصلة إلى محبة الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على العمل بهذه الوصية الغالية، وأن يدرب ألسنتنا على ذلك، فإذا تدّرب اللسان على ذلك تحرك بذكر الله عز وجل دون مشقة أو تكلف من العبد.

اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأبصارنا، وأسماعنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.