للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الحسد]

والحسد نوعان: إما حسد على نعمة موجودة، أو على نعمة مفقودة، فيحسد الحاسد على نعمة موجودة، وذلك بأنه إذا رأى نعمة الله على بعض عباده يتمنى أن تزول، ثم يشترط الحاسد: إما أن يتمنى أن تزول عنه لتتحول إليه هو، أو يتمنى أن تزول عنه وتتحول إلى غيره، أو يتمنى زوالها فقط غير أن يتمناها لنفسه ولا لغيره، فهذه بعض أقسام الحسد.

كذلك الحسد يطلق على إرادة عدم حصول النعمة، كاستصحاب البلاء، والمرض، والفقر لغيره، فيشفق أن تصيبه نعمة، وكأنه يملك خزائن الله سبحانه وتعالى! كما قال عز وجل: {قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء:١٠٠].

لهذا يقولون: البخيل هو: الذي يبخل بمال نفسه، والشحيح هو: الذي يبخل بمال غيره، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:٣٧].

فيشفق على خزائن الناس، وكأنه تؤخذ هذه النعم من خزائنه هو، فيشح بها على الناس، وهذه النفس من أخبث النفوس، كما سنبين إن شاء الله تعالى.

فالغضب يثمر الحقد، والحقد يثمر الحسد، والحسد يثمر غضب الله سبحانه وتعالى على الحاسد.

يقول بعض العلماء: الغضب شعلة نار مستكنة في طي الفؤاد، استكانت استكانة الجمر تحت الرماد، فالنار عندما تكون ساكنه تحت الرماد يكون الظاهر رماداً لكن في داخله نار، فكذلك الغضب هو شعلة نار لديها استعداد أن تتوهج إذا زاد الغضب عند الإنسان، وهذه الشعلة يستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد، كاستخراج الحجر النار من الحديد.

فمن استفزته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان، أي: من اشتعلت فيه نار الغضب، وخرجت من تحت الرماد أصبح عنده نسق قوي بينه وبين الشيطان، وصلة قرابة؛ لأنه خلق من نار، كما قال عز وجل حاكياً عن الشيطان: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢].

ومن نتائج الغضب: الحقد والحسد، وبهما هلك من هلك، وفسد من فسد، والذي يعلن فيضان الغضب أو الحقد أو الحسد هو القلب، فالقلب مضغة إذا صلحت صلح معها سائر الجسد.

إذاً: ينبع الحقد والحسد من القلب، قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:٢٦] وحمية الجاهلية تصدر عن الغضب للباطل، وقال صلى الله عليه وسلم لمن استنصحه وكرر عليه النصيحة، قال له كل مرة: (لا تغضب! لا تغضب! لا تغضب!) رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة -أي: الذي يصرع الناس ويغلبهم- ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه مسلم.

فالغضب يثمر الحقد، والحقد يثمر الحسد؛ لأن الإنسان إذا امتلأ قلبه حقداً على غيره، فهذا الامتلاء يدعو إلى التشفي والانتقام، والتشفي والانتقام يكون عن طريق الحسد، وبعض الناس لا يكفيه الحسد، فإذا عجز عن أن يتشفى بنفسه ولم يؤثر حسده في المحسود أحب أن يتشفى منه الزمان، وأن تأتيه المصائب، وهذه هي عين الشماتة.

فالغضب يلزمه عادة قصد من الإنسان، فإن عجز فإنه يرجع إلى نفسه ويشتد في الاحتقان، فيصير حقداً، والحقد فيه أن يستلزم قلبه استثقاله، والبغض له، والنفار منه، وأن يدوم ذلك، ومن ثمرات الحقد أنه يحمل صاحبه على تمني زوال النعمة عن الشخص، فيغتم بنعمة إن أصابها، ويسر بمصيبة إن نزلت به، فهذا هو الحسد.