للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقائق يغفلها من يدعو إلى تحديد النسل]

وهؤلاء الذين يتحمسون لقضية تحديد النسل يغفلون أو يخبئون على الناس حقائق كثيرة، مثل: أنه بجانب معدل المواليد هناك معدل وفيات، فالناس لا يؤبدون على هذه الأرض، وإنما هناك في المقابل نقص من الجهة الأخرى يتم بطريقة لا ينظمها إلا الله تبارك وتعالى، وهي وجود معدل وفيات مقابل معدل المواليد، فالأرحام تدفع من جهة، والأرض تبلع من جهة أخرى، ففي الأمر صادر ووارد، وليس كما يصورون للناس.

أيضاً من الحقائق العلمية: أن أمر النسل والإنجاب مهما ترك طليقاً على وجه الأرض، ومهما تهيأت له الحوافز والمرغبات في تكثيره، فإنه يظل واقفاً دون مرحلة الخطر الذي يهولون به، فالذين ينجبون من مجموع أي جيل، وتنمو ذريتهم، لا يزيدون في أحسن الأحوال الطبيعية على نصف هذا الجيل، فلو اعتبرنا الجيل خمسة وعشرين سنة، فلو افترضنا أن في خلال خمسة وعشرين سنة تكون جيل من الأجيال، فسنجد أن هذا الجيل ليس كله يتناسل أو يتوالد؛ لأن هناك عوامل مختلفة ترجع في جملتها إلى تقدير العزيز الحكيم الذي ينسق أمر هذه الخليقة، ويخضع لسننه دفعات الواصلين والواردين فوق هذا الكوكب الأرضي، لحساب متناسق دقيق لا يعلم سره العظيم إلا هو.

ولو أن الإنسان أمعن النظر في سير الأجيال المتعاقبة، فسيجد أن كل جيل إنما يتكون من ذرية جزء ضئيل من الجيل الذي قبله؛ لأن جزءاً من الجيل الحالي يقدر -حسب ما قاله العلماء- بين الُخمسين والثلثين يهلك قبل الزواج، والباقون -وهم الذين قدّر لهم البقاء- ومقدارهم بين ثلاثة أخماس وثُلث يتزوجون، ثم من هؤلاء الذين يتزوجون سُبع أو ثُلث يهلك دون أن ينجب أولاداً، فالذين ينجبون لا يزيد مقدارهم في أحسن الأحوال على النصف من هذا الجيل، ثم هذه الذرية تخرج إلى الدنيا بقدرات متفاوتة، وملكات مختلفة، وأعمار محجوبة في علم الله عز وجل.

وإذا نظرنا إلى هذا الأمر نظرة سطحية فسنجد أنه ربما يخضع لعوامل عشوائية لا تستهدف غاية، ولا تستند إلى حساب، لكن الأمر في حقيقته يدل على أن هذا مظهر دقيق من مظاهر التنسيق الظلي الذي أقامه الله تبارك وتعالى بين دفعات الوافدين والراحلين عن هذه الأرض، بل ومظهر دقيق لتوزيع الخبرات والملكات في المجتمعات الإنسانية.

ووقائع التاريخ والأمم تبين أن هناك نتيجة معاكسة لما يهول به دائماً دعاة تحريف النهج.

فمن ذلك مثلاً: اليابان التي لا تصل مساحتها ربع مساحة باكستان، ومع ذلك فإن ٨٣% من مجموع مساحة اليابان لا يمكن استغلالها؛ لأن فيها سلاسل جبال النار، والمساحة الصالحة للاستغلال ٨% فقط من مجموع مساحة اليابان!! ومع ذلك فقد حافظت اليابان على عدد سكانها الذين يزيدون على عدد سكان باكستان زيادة كبيرة! وارتفعت بنهضتها الاقتصادية إلى حيث تمكنت من منافسة الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى في عقر دارها! ولم يعقها عن ذلك تكاثف سكانها، وضيق رقعتها، بل عكس ذلك هو الصحيح، فمن المعلوم أن طوكيو من أشد مدن العالم ازدحاماً.

ونفس الشيء حصل بالنسبة لألمانيا وإنجلترا أيضاً، حتى إنه في يوم من الأيام لما ازداد عدد سكان إنجلترا في أواخر القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر انشغل المفكرون، وخافوا خوفاً شديداً، فقالوا: أيّ أرض يمكن أن تتسع لهذا العدد الضخم من السكان؟! فلم تلبث الدنيا إلا يسيراً حتى رأت بأم عينها أن السرعة التي ازدادت بها وسائل إنجلترا للرزق والعيش والإزدهار أكبر بعدّة أمثال من السرعة التي زاد بها عدد السكان! وتفسحت سبل العيش بصورة كبيرة جداً أمام الشعب البريطاني.

وهذا رجل يدعى: (استير وليم كركس) رئيس الجمعية البريطانية، أنذر الناس بالويل والثبور سنة (١٨٩٨م) حيث قال متحدياً: إن إنجلترا وسائر البلاد المتحضرة في الدنيا تواجه خطر الجدب وقلة القمح، وإن وسائل البقاء لن تسير مع حاجاتها أكثر من ثلاثين سنة! غير أن الذين رزقوا البقاء إلى مدة ثلاثين سنة بعد ذلك رأوا أن الدنيا ما نزلت بها نازلة كالتي كان قد أنذر بها رئيس الجمعية البريطانية، رغم التزايد الشديد للسكان، بل زادت محاصيل القمح خلال هذه السنين زيادة هددت السوق بالكساد حتى إن الأرجنتين وأمريكا أحرقتا لأجل ذلك كميات وافرة من قمحهما.

وتعتبر سويسرا بلدة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، فالمفروض أنها بمقاييس هؤلاء لا تستوعب عدداً كبيراً من السكان، فليس فيها فحم ولا مناجم حديد، ولا أي معادن، وليست على البحر، وقسم كبير جداً من أراضيها جبلي، ولا جدوى منه في الإنتاج، ومع ذلك بلغت كثافة سكانها (١٣٦) نسمة في الكيلو المتر المربع.

وبالنسبة لمصر، فإن معدل التوزيع السكاني على مساحة مصر: لكل كيلو متر مربع شخص واحد من الشعب المصري، أي: كل فرد له كيلو متر مربع!! ولو أجرينا هذا التوزيع السكاني على جميع أنحاء البلاد الإسلامية، فستتغير المقاييس بصورة أقوى؛ بسبب وجود المصادر الوفيرة لهذا الرزق.