للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التناسب الطردي بين زيادة السكان وزيادة مصادر الرزق]

إن رواد دعوة تحديد النسل يزعمون أن سياستهم هذه تهدف إلى إيجاد التوازن بين الموارد وبين عدد السكان، فهم يحاولون إقناع الناس عن طريق المصلحة الشخصية، مع أن المصلحة الشخصية قد تستمر ثم يحصل التصادم مع المصلحة الكلية، وتظهر مع الوقت مشكلة عكسية، وهي قلّة النسل، فيختل التوازن بصورة عكسية، وهذا بالضبط ما حصل في فرنسا، وهي أول دولة شجعت وتبنّت حركة تحديد النسل، فهبط عدد المواليد بالنسبة للوفيات، فذاقت وبال هذه الخطة الخرقاء في الحربين العالميتين الأولى والثانية في صورة هزائم متوالية ومنكرة قصمت ظهرها، وقضت على عظمتها السياسية قضاء ملموساً، فصارت فرنسا عبرة لمن أعتبر.

والآن في الغرب يحرضون الشعوب بكل الوسائل على أن ينجبوا أولاداً، حتى في ألمانيا يعطون مكافآت وإغراءات بالمال تفوق الوصف للمواطنين لكي ينجبوا، فيقول الشعب الألماني: الحكومة تغرينا حتى ننجب! فيعاندون الحكومة، ويكرهون أن ينجبوا أطفالاً.

أما فيما يتعلق بالمسلمين فعلى خلاف ذلك، فتأمل! الوسيلة الأخرى التي يتم بها استرضاء الناس هي: نشر المعلومات عن وسائل منع الحمل على أوسع نطاق، بحيث تكون في متناول الجمهور رجالاً ونساء.

الأهداف التي على أساسها انتشرت دعوة تحديد النسل في أوربا هي المشاكل الاجتماعية والمدنية؛ لأن الحضارة الغربية قامت على أساس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وعلى أساس الاختلاط المطلق بينهما، والرغبة في التخلص والتملص من تبعية هذه الإباحية التي يعيشونه، فهذا من مقتضيات نظامهم! أنهم يريدون التمتع بالدنيا والراحة وعدم تحمل تبعة الزواج من الأولاد وغير ذلك.

أما في بلاد المسلمين فالأهداف التي يرمي إليها الغرب من وراء نشر هذه الحركة هي أهداف سياسية بحتة، لا علاقة لها بالاقتصاد، وإن كانت مستترة تحت هذا الثوب، فقد كان الناس في القديم حينما يساورهم القلق من مشكلة زيادة الأولاد يعالجون هذه الأمر بطريقة الوأد كما كان يحدث في الجاهلية، أو بقتل الأولاد أو الإجهاض ونحو ذلك، لكن الإنسان في هذا الزمان فلسف الأمر، واستطاع أن يعبر عنه تعبيراً يتواءم مع القواعد الحسابية والهندسية.

فزعم الإنسان المعاصر وهو مالتوس صاحب النظرية التي على أساسها قامت الدعوة إلى تحديد النسل، قال: إن زيادة السكان تتم على صورة متوالية هندسية، يعني: ٢، ٤، ٨، ١٦، ٣٢، ٦٤، ١٢٨، ٢٥٦، إلخ.

هذا بالنسبة لزيادة عدد السكان، لكن لا تزيد وسائل الرزق مهما اخترعوا لزيادة هذه الوسائل إلا على صورة متوالية حسابية، يعني: ١، ٢، ٣، ٤، ٥، ٦، ٧، ٨، ٩.

فإذا ظل عدد السكان يتضاعف دونما حاجز، فسيصل إلى ضعفيه بعد كل خمسة وعشرين سنة، أو يصل من واحد إلى مائتين وستة وخمسين بعد قرنين، بينما لا تزيد وسائل الرزق خلال هذه المدة إلا إلى تسعة، وخلال ثلاثة قرون يكون عدد السكان بالنسبة لموارد الرزق (٤٠٩٦: ١٣)، وكأن الله وكّل إليهم رزق من في السماوات ومن في الأرض! سبحان الله عمّا يصفون.

فيحاول الإنسان في هذا العصر قتل الأولاد أحياناً والإجهاض أحياناً، لكن الوسيلة المتوفرة في ظل التقدم العلمي هي: منع الحمل، وأحياناً: التعقيم الدائم! تحت مُسمّيات: التحديد، أو التنظيم، أو غير ذلك، فهل هذا الخوف في محله؟! وهل زيادة السكان تقتصر على عدد موارد الرزق؟! في الحقيقة والواقع أنه لم يحصل زيادة في النسل السكاني في أي مرحلة من مراحل التاريخ بتلك النسبة التي هي متوالية هندسية، ولا أتى على الإنسانية حين من الدهر كانت النسبة فيه بين عدد السكان وموارد الرزق كما يدّعون، ولو حصل ذلك لكان النسل الإنساني قد انقرض والله أعلم، ولَما كنا وجدنا أنفسنا اليوم على وجه الأرض.