للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تشبيه صفات الله بصفات خلقه]

النوع الرابع من صور الإلحاد في أسماء الله الحسنى: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً، فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة، يعني: كما أن المعطلة الجهمية وغيرهم عطلوا أسماء الله وصفاته الكاملة وجحدوا معانيها، فهؤلاء في الجهة الأخرى شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرق هذا الإلحاد، فهؤلاء ألحدوا بأن شبهوا الله بخلقه، وأولئك ألحدوا بأن عطلوا أسماء الله وصفاته، فهؤلاء شبهوا الخالق بالمخلوق حتى كأنهم عبدوا صنماً، والجهمية نفوا صفات الخالق وعطلوها حتى كأنهم عبدوا عدماً، حتى وصل الأمر إلى أن بعض الجهمية تطاول وغلا ورمى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه بالتجسيم، حتى قال ثمامة بن الأشرس -وهو من رؤساء الجهمية- عليه من الله ما يستحق: ثلاثة من الأنبياء مشبهة! موسى حيث قال: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف:١٥٥]، وعيسى حيث قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦]، ومحمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا)، إلى آخر الحديث.

وجُلُّ المعتزلة تُدخِل عامة الأئمة، فأغلب المعتزلة ينظرون إلى هؤلاء الأئمة بأنهم مشبهون، وهؤلاء الأئمة مثل مالك وأصحابه والثوري وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة، فهم يزعمون أن من قال إن الله فوق العرش فقد اعتقد أنه محدود ومحصور، والحدود لا تكون إلا لمخلوق فهذا القول تشبيه!! والسبب أنهم هم الذين شبهوا؛ فلذلك استفظعوا، أما لو لم يشبهوا لأثبتوا الصفة كما تليق بالله، ولما حصل هذا الإلحاد، يقولون أيضاً: إن من قال: إن لله علماً وقدرة وكلاماً فقد جعل الله محلاً للأعراض، وهي لا تقوم إلا بالجواهر فهو مشبه، إلى آخر ما يرمون به الرسل وأتباع الرسل من الألقاب التي يفترونها، تماماً كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم، تارة مجنوناً وتارة شاعراً وتارة كاهناً وتارة مفترياً.