للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء الله عز وجل توقيفية]

تنبيه آخر أيضاً يتعلق بقواعد فهم الأسماء الحسنى وهو: أن أسماء الله سبحانه وتعالى أسماء توقيفية، وهذا هو مذهب الجمهور من أهل السنة والجماعة، أن أسماء الله توقيفية لا يجوز تسميته بما لم يرد به سمع، يعني: أنه لابد أن نقتصر على ما ثبت في أسماء الله الحسنى في القرآن وفي السنة فقط؛ وذلك أن أسماء الله تعالى وصفاته من الأمور الغيبية التي لا يمكن لنا أن نعرفها إلا عن طريق الرسل الذين يطلعهم الله على ما شاء من الغيب، ثم هم يبلغونه للناس، ولا يجوز القياس فيها أو الاجتهاد؛ لأن هذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.

فالمنهج الصحيح لمعرفة توحيد الله عز وجل وأسمائه وصفاته هو الاعتماد على الوحي الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره باتباعه، فقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩].

وقال: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الأنعام:١٠٦].

وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

وقال عز وجل: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف:٣].

وقال أيضاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨].

فالعقل ليس قادراً على معرفة أسماء الله وصفاته، وهذا الكلام رد على من يقول قولاً مطلقاً: إن الله سبحانه وتعالى يُعرف بالعقل، وهذا غير صحيح، فالعقل غير قادر على معرفة الله سبحانه وتعالى، العقل هو: آلة للتأمل في مخلوقات الله؛ للتوصل بها إلى عظم صفاته وتوحيده، لكن معرفة الأسماء الحسنى وما يليق بالله وما لا يليق لا يستقل العقل بمعرفته، وإنما يعرف الله عز وجل بالوحي وبالسمع، وبالإخبار وبالتلقي عن طريق الوحي، وليس بالعقل كما يزعم بعض الناس.

فلو كان العقل قادراً على معرفة أسماء الله وصفاته وما يجوز أن يوصف به مما لا يجوز لما احتاج الناس إلى الوحي، ولأصبح إرسال الرسل إلى الناس من العبث، تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً! وتسمية الله سبحانه بما لم يرد به الدليل يدخل في الإلحاد في أسمائه الحسنى، وقد يقع صاحبه في التشبيه؛ لأن المشبهة وصفوا الله بما لم يأذن به.

قال أبو إسحاق الزجاج: لا يجوز لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه.

وقال أبو سليمان الخطابي: ومن علم هذا الباب -أي: باب الأسماء والصفات- وما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارف الكلام، كالجواد.

يعني: أن الله سبحانه وتعالى جواد، فهل يجوز أن يقاس عليه السخي، فيوصف الله سبحانه وتعالى بأنه سخي؟

الجواب

لا؛ لأن هذا قياس، والقياس دليل عقلي، فالأسماء الحسنى لا يجوز فيها القياس، بل هي توقيفية، بمعنى: أنه لابد أن نقف حيث أوقفنا الشارع في إثبات الأسماء الحسنى، فالجواد لا يجوز أن يقاس عليه السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام؛ وذلك أن السخي لم يرد به الشرع كما ورد بالجواد.

والقوي لا يقاس عليه الجلد، كما تقول: رجل جلد، وتقول: رجل قوي، لكن لا يجوز أبداً في حق الله سبحانه وتعالى أن تقول: الجلد، وإن كان يتقارب الجلد والقوي في نعوت الآدميين؛ لأن باب التجلد يدخله التكلف والاجتهاد.

ولا يقاس على القادر المطيق ولا المستطيع؛ فالذي ورد في النقل هو القادر أو القدير، لذلك فلا يجوز أن يقيس عليه شخص لفظ المستطيع، أو المطيق.

وفي أسمائه تعالى العليم، وهو يدل على صفة العلم، لكن لا يجوز قياساً على العلم والعليم أن يسمى الله عز وجل عارفاً؛ لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء.

وكذلك الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالعاقل، وهذا الباب يجب أن يراعى ولا يغفل، فإن فائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق.

قال السفاريني رحمه الله تعالى في نظمه للعقيدة: لكنها في الحق توقيفية لنا بذا أدلة وفية أي: لكن الأسماء الحسنى في المذهب الحق توقيفية، وهذا هو مذهب الجمهور كما ذكرنا، ولا يجوز الزيادة فيها بالعقل ولا بالاجتهاد.

قال في شرحها: لكنها: أي الأسماء الحسنى، في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشارع، وورود السمع بها، فمما يجب أن يعلم أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات العلى على الباري جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه.

وقال الغزالي: اتفق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي الرسول باسم ما سماه الله به -أي: لا يجوز للواحد أن يسمي الرسول الله صلى الله عليه وسلم اسماً لم يسمه الله به، بل لابد أن يسمى الرسول بما سماه الله به- ولا باسم ما سمى هو نفسه به، فلا يجوز أن تسمي الرسول عليه الصلاة والسلام باسم لم يسمه الله إياه، ولا باسم هو نفسه عليه الصلاة والسلام لم يسم نفسه به، فإذا لم يجز ذلك في حق الرسول، بل في حق أحد من آحاد الناس فهو في حق الله تعالى أولى.

وأما المعتزلة والكرامية فقالوا: إن اللفظ إذا دل العقل على أن معناه ثابت في حق الله سبحانه وتعالى جاز إطلاق ذلك اللفظ على الله تعالى، سواء ورد التوقيف به أو لم يرد.

هذه بعض القواعد المتعلقة بالأسماء الحسنى.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.