للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلاف العلماء في المراد بقوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً)

اختلف العلماء في المراد بقوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً)، ومائة إلا واحداً تساوي تسعة وتسعين، فهذا التكرار ما هو إلا للتأكيد، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦].

وكما في قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل:٥١].

فقوله: (مائة إلا واحداً) تكرار بالتأكيد، بعض الناس ذهبوا إلى أن الأسماء الحسنى تنحصر في هذه التسعة والتسعين، والبعض قالوا: بل هي أكثر من ذلك، لكن فائدة اختصاص التسعة والتسعين بالذكر هو: أن في هذه التسعة والتسعين بالذات: من أحصاها دخل الجنة.

وذهب جمهور العلماء إلى هذا المذهب الثاني، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه، وقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه: أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود: أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة.

فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، إذاً: ليس مقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصيغة حصر أسماء الله الحسنى في التسعة والتسعين، وإنما مقصوده الإخبار عن هذا الثواب لمن أحصاها، وليس مقصوده صلى الله عليه وسلم أن يحصر الأسماء الحسنى في هذا العدد.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: إنما هو بمنزلة قوله: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، هل يعني ذلك أنك تقصد ثروة زيد في أنها تساوي ألف درهم؟ لا، أنت تقصد أن الذي أعده للصدقة محدود بهذا الألف، وهذا لا ينفي أن له مالاً آخر غير هذا.

وكقولك: إن لعمر مائة ثوب من زاره خلعها عليه، ليس المقصود أنه ليس له من الثياب غير هذه الثياب المذكورة مائة ثوب، ولكن المقصود: أن هذه هي التي اختصها بالإهداء، فمن زاره خلعها عليه، فدلالة هذين المثالين: أن الذي أعده زيد من الدراهم هو للصدقة، وأن الذي أعده عمر من الثياب للهدية مائة ثوب، والذي يدل على صحة هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك) يعني: سواء كان هذا الاسم سميت به نفسك، (أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فهذا يدل على أن لله سبحانه وتعالى أسماءً لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه ولم يظهرها لهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ما نقل كلام الخطابي: وأيضاً فقوله: (إن لله تسعة وتسعين) تقيده بهذا العدد، بمنزلة قوله تعالى: ((تِسْعَةَ عَشَرَ) يعني: قال تعالى في ملائكة سقر: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:٣٠]، فلما استقلوهم أنزل الله تعالى قوله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١]، فإنه لا يعلم أسماءه إلا هو أولى، يعني: إن كان جنود الله -وهي الملائكة- لا يعلمها إلا هو فأولى ثم أولى أن أسماء الله لا يعلمها كلها إلا هو سبحانه.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في تعارض العقل والنقل: والصواب الذي عليه الجمهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس إلا تسعة وتسعون اسماً، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الشاهد.

وقال: وثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحصي ثناءً على الله، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه في هذه الحالة؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه؛ لأن الأسماء هي وسيلة التعبير عن الصفات.

فقول النبي عليه السلام: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، اعتراف بالعجز عن توفية الله سبحانه وتعالى ما يستحقه من الثناء والحمد، ولجوء إلى التفويض، وأن هذا الثناء الذي يستحقه الله هو مفوض إلى الله؛ لأنه لا يحصي العد مهما مدح الله سبحانه وتعالى عز وجل وأثنى عليه، إنما الله كما أثنى على نفسه، ولا يحصي أحد الثناء الذي يستحقه الله عز وجل، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام أحصى جميع أسمائه سبحانه وتعالى فإنه يحصي بالتالي كل صفاته، فكما أنه لا يحصي ثناءً عليه فهو لا يحصي كل صفاته، وبالتالي لا يحصي كل أسمائه التي يعبر عنها بأسمائه.

خالف ابن حزم الجمهور في هذه المسألة، فذهب إلى أن عدد أسماء الله الحسنى ينحصر في التسعة والتسعين، ورد عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح فقال: وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور، وهو لا يقول بالمفهوم أصلاً؛ لأنه لا يعترف بدليل الخطاب، أو مفهوم المخالفة، لكنه احتج -ليس بمفهوم تسعة وتسعين في قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً) - بقوله: (مائة إلا واحداً)، قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم أن يكون مائة.

قال الحافظ: وهذا الذي قاله ليس بحجة؛ لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها.

المقصود بالحصر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً) أن الثواب يختص بمن أحصاها.

فمن ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك ألا يكون هناك اسم زائد.

أي: هذا الحديث لا ينفي أن لله أسماءً أخرى زائدة على ذلك، ولكن الحديث سيق للإخبار عن ثواب من أحصى أسماءه، والراجح والله تعالى أعلم: تفويض علم سر هذا العدد بالذات إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يطلعنا على ذلك، فهو كأعداد ركعات الصلوات، والصلوات نفسها وغير ذلك مما علمه عند الله عز وجل.