للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر الدسائس التاريخية والغزو الثقافي على الأمة الإسلامية]

إذا تأملنا كيفية معالجة المستشرقين لتاريخ مصر والعراق وبلاد الشام والجزيرة العربية منذ أقدم الدهور، فهم عندما درسوا تاريخ هذه البلاد في القرون القديمة فإنهم يحذفون من حساباتهم ذكر الإسلام تماماً، ويهملون ذكر دعوات الرسل في حياة هذه الأمم التي سكنت تلك البلاد، وبهذا أصبحت جميع الأمم بلا استثناء تنظر إلى هذا الفترة من تاريخها على أنها خلقت وتركت هملاً، فلم تكن تعرف لها رباً ولا ترتضي لنفسها ديناً، بل أخذوا يرددون بأن الأصل في عقيدة أهل تلك الأقطار هي الوثنية، وأنهم تطوروا في الوثنية من التعدد إلى التوحيد، وأن أول الموحدين وذلك من تلقاء نفسه في التاريخ هو الفرعون أخناتون، أو أمنحتب الرابع، ويفخرون بـ أخناتون فخراً عجيباً جداً، فتجدهم في الأناشيد والأشعار والكتب يمدحونه على أنه أول مخترع للتوحيد، رغم أنه لم يكن توحيداً، بل كان شركاً نجساً خبيثاً.

إنّ أخناتون هذا هو أول من إلى التوحيد بين آلهة ثلاثة في إله واحد، وقد أخذ النصارى عن قدماء المصريين أفكارهم الشركية أيضاً.

فكان أمنحتب الرابع أو أخناتون يعبد القوة الكامنة وراء إله الشمس آتون، ويعتقد أن عبادته هي الحقيقة، وأنها هي الدين الصحيح، وأن هذه الفكرة انتقلت من مصر إلى بلاد العراق، حيث أقام إبراهيم دينه، أي: أن الإسلام ليس وحياً من عند الله تبارك وتعالى.

فهذه من الدسائس التي تسمم قلوب الشباب والأجيال، فتتخرج أجيال بعد أجيال على هذه العقائد التي يُلحّ إلحاحاً في تحفيظهم إياها على أنها حقائق مسلمة، فلا شك أنه بذلك تنقطع رابطة هؤلاء الشباب بالإسلام.

فالغزو في الحقيقة من كل جانب، فقد سمعتُ مؤخراً عن أشياء تُعرض في القنوات الفضائية مخالفة للشريعة، وقد يستهين بها كثير من الناس، وهناك أشياء كثيرة نستهين بها وهي تؤثر على نفسيات الأطفال أكثر، فالأشياء التي نستهين بها هي من أخطر الأشياء، فكثير من الناس يتهاونون مع ما يسمى بأفلام الكرتون، ويقولون: إن هذه تسلية للأطفال، وليس فيها رقص ولا غناء ولا أي منكرات! فأقول: كلا، بل فيها كثير من المنكرات، وهذا أنموذج من هذه النماذج سمعت عنه، فقد أتوا بقصة فيها: أن أباً وأماً وأولاداً خرجوا في رحلة جميلة، وكانوا في مركب في البحر، فجاءت عاصفة شديدة كادوا أن يغرقوا ويهلكوا بسببها، فأخرج الأب الذي هو رب الأسرة جهازاً لاسلكياً، واتصل بإله البحر؛ حتى يأتي وينقذه، فأتى هذا الإله وأنقذه من الغرق في الحال.

وفي مناسبة أخرى تكررت نفس القصة، فقد وقع الولد في نفس الورطة وأشرف على الغرق، فماذا فعل الطفل الصغير؟ أخرج الجهاز اللاسلكي، واتصل بابن إله البحر، أي: الإله الصغير، فأتى ابن إله البحر وأنقذه.

وأنا ما رأيتها، ولكني سمعت ذلك.

فلا شك أنّ هذه رسالة من خلال أفلام الكرتون لإفساد العقيدة، وتهيئة الأولاد لقبول فكرة أنّ هناك إلهاً كبيراً وأن له ابناً، وأن كليهما قادر على أن ينقذك في الضراء وفي الكربات.

إذاً: فمثل هذه الأشياء لا شك أنها تترك آثاراً خطيرة جداً، وخاصة أنها لا تقترن بما ينفر منها، بل العكس فإنها تقترن بما يرغب فيها من المحسنات والمزينات، فمثل هذه الحقائق كثير من المسلمين الجهلة ليس عندهم خبر بها، وما يشعرون بخطر التساهل في مثل هذه العقائد، فانظر إلى ما يدرسونه أبناءنا في التاريخ، يدرسونهم أن التوحيد أول من اخترعه هو: أمنحتب، أو أخناتون، ونفرتيتي، فإنهما عملا مع آتون شركة، ووحدوا هذه الآلهة الثلاثة في إله واحد وهو إله الشمس، فهذا أول اكتشاف بشري للتوحيد.

ثم بعد ذلك انتقلت عقيدة التوحيد هذه إلى بلاد العراق، حيث أقام إبراهيم دينه، فانظر إلى هذا الربط في قولهم: حيث أقام إبراهيم دينه، فما معنى ذلك؟! معنى ذلك: أنّ أبا الأنبياء وخليل الرحمن سبحانه وتعالى وإمام الحنفاء -الذي أَمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكون على ملته، والذي كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران:٩٥]- اقتبس هذا التوحيد من مصر أم الدنيا، فهي التي نقلت التوحيد إلى إبراهيم الخليل، وعلى هذا الأساس أقام إبراهيم دينه، أي: أنّ الدين تأسيس بشري وليس له أصل إلهي.

وتأكيداً على هذه المزاعم، فقد حرص علماء الآثار من المستشرقين على طمس أي قرينة أثرية، أو ملامح تاريخية تؤكد أن الله سبحانه وتعالى فطر البشرية على الإسلام، وارتضاه لها ديناً، وبعث به الرسل، وعندما تظهر قرينة رغماً عنهم تؤكد أصالة خط التوحيد في حياة البشر، فإنهم يعزونها إلى تطور الفكر البشري، فهم يزعمون أن الإنسان قد تطور في معتقده كما تطور في صناعته.

فهؤلاء كما يسميهم كثير من الفضلاء: أصحاب منهج التجاهل والتجهيل، فهم يتجاهلون الحقائق، ويريدون أن يخرجوا جيلاً يتجاهل أيضاً هذه الحقائق، فهم متجاهلون ومجَّهلون لهذه الأجيال، ولا يستندون إلى أي دليل في هذه الفكرة الخطيرة سوى الجهل، والجهل لا يصلح أن يكون دليلاً.