للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الفطرة التي يولد عليها المولود]

إن المولود يولد على الفطرة والفطرة هي الإسلام، لكن هل معنى ذلك أننا ندعي أنّ هذا الطفل الذي عمره سويعات قليلة يعرف أسماء الله وصفاته، ويعقل الرسالة وأدلتها والصلاة والزكاة؟!

الجواب

لا، نحن لا ندعي ذلك، وإنما نعني سلامة القلب وإرادته للحق الذي هو الإسلام، بحيث إن هذا الطفل لو ترك في نموّه الطبيعي من غير أن يخضع لمؤثر خارجي من الشياطين أو من الوالدين أو نحو ذلك، لما كان إلا موحداً مسلماً.

فهذه القوة العلمية والعملية تقتضي الإسلام مالم يمنعها مانع، كمؤثرات البيئة وتقليد الأبوين، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.

فعند نمّو الطفل رويداً رويداً تبدأ هذه الفطرة تتحرك في أعماقه، ومع النمو تبدأ فطرة هذا الطفل تستيقظ وتتنبأ، وتجذبه بكل قوة نحو الحقيقة العظمى، ومن ثَم نلاحظ أنه في مرحلة معينة يبدأ الطفل بالسؤال عن بعض الأمور، وكلما كان الطفل نبيهاً وذكياً ستجد أنّ هذه الأسئلة تظهر مبكراً.

فيبدأ بإلقاء أسئلة لا تكاد تنتهي، فيسأل والديه عما يحيط به: من رفع السماء؟ ولماذا هي زرقاء؟ وأين تذهب الشمس ليلاً؟ ولماذا لا تظهر الشمس في الليل؟ وأين يذهب النور حين يحل الظلام؟ ولماذا تتلألأ النجوم؟ وأين تنتهي الأرض؟ ولماذا تفوح الروائح العطرة من بعض الأزهار دون البعض الآخر؟ ومن أين أتيتُ؟ وأين كنت قبل أن آتي إلى هذه الدنيا؟ وغير ذلك من الأسئلة التي كلنا نحفظها وكلنا يعرفها فهذه الأسئلة كلها أمارات تدل على أن الفطرة بدأت تستيقظ، ولذلك فالله سبحانه وتعالى من حكمته أنه لا يكلف الإنسان قبل سن البلوغ؛ لأن البلوغ يعبر عن ترجمة للنمو والنضج البدني، ويقارنه النضج العقلي الذهني والفكري، فهو في هذه السن يصبح مكلفاً، ويجري عليه قلم التكليف بمجرد البلوغ؛ لأنه الآن صار مهيئاً ومؤهلاً، فعليه أن يتفكر ويدرك.

فما الذي يدفع هؤلاء الأطفال إلى إلقاء هذه الأسئلة؟ إنها الفطرة المغروسة في أعماق نفوسهم، تبدأ بالاستيقاظ والتحرك والتعرف على خالق الكون وما في هذا الكون، وكلما نمت ملكاته وزاد علمه اطمئن قلبه للإيمان بالله وحده لا شريك له.