للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور أعداء الإسلام في الدعوة إلى تحرير المرأة]

أذكر بالمناسبة قصة أخت أمريكية فاضلة تدعى حالياً شريفة كارلو مشهورة جداً الآن في النشاط الإسلامي، هذه المرأة أصلاً كانت شابة صغيرة تدرس في أمريكا، وكانت متحمسة جداً لدعوة تحرير المرأة وحقوق المرأة، فالتقطها مجموعة من الناس، تقول عنهم: إنهم موظفون ولهم مناصب كبرى في الحكومة الأمريكية.

قالت: وبينهم عداوات شديدة جداً، ومختلفون على كل شيء إلا على شيء واحد فقط هو تدمير الإسلام والقضاء على الإسلام، فأتاها واحد من كبراء ووجهاء هذه المجموعة التي لها مناصب عالية في الحكومة الأمريكية وقال لها: نرى عندك كفاءة وهمة ونشاط وتحمس لقضية المرأة، وأنا أعدك إذا سلكتِ مسلكاً معيناً في الدراسة وتأهلت أعدك بمنصب في السفارة الأمريكية في القاهرة؛ لتذهبي بعدما تتأهلين لتعملي هناك وترتبطي بالداعيات إلى تحرير المرأة هناك وترفعي مطالب شأن المرأة إلى آخره.

فهذه الأخت اجتهدت جداً في الدراسة حتى إنها حصلت تحصيلاً عالياً جداً في اللغة العربية وفي التاريخ الإسلامي وفي الفقه وفي القرآن وفي الأحاديث، وعلموها كيف تلوي الأدلة -كما تقول هي- وكيف تدخل الشبهات على المسلمين، وكيف تقنعهم بأن الإسلام ظلم المرأة، إلى آخر هذه الأشياء المقررة.

وأثناء الدراسة بدأ الإسلام يغزو قلبها كما هو شأنه مع كثير ممن يحاولون قهره فيقهرهم، فبدأ الإسلام يغزو قلبها، أو بتعبيرها: باتت تهتز لما تعاملت مباشرة مع أحكام الإسلام وجمال الإسلام وشرائع الإسلام، فخافت على نفسها، فقالت: أنا هكذا سأفقد ديني، فأنا سأعالج الموضوع هذا بأن أذهب إلى متخصص في اللاهوت -قسيس- ويعلمني العقيدة ويثبت عقيدتي، فذهبت إلى دكتور في اللاهوت من جامعة هارفرد في أمريكا، وعنده دكتوراه في اللاهوت، ومتخصص في الدراسات النصرانية اللاهوتية، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الرجل ينتمي إلى فرقة معروفة، لكنها تكاد تكون مندثرة، وهي فرقة الموحدين من النصارى، وهؤلاء الموحدون لم يدخلوا في الإسلام، لكنهم مقتنعون تماماً بأن عيسى مجرد نبي، وأنه لم يصلب، وأنه لا يوجد ثالوث ولا شيء من الكلام هذا كله، لكنهم لم يؤمنوا بالنبي عليه السلام، فوجدت أن له دراسات كثيرة جداً عملها في النصوص، وأنه فقد الثقة تماماً بالتراجم الموجودة للإنجيل والتوراة، فبحكم تخصصه في دراسة النصوص باللغة الأصل -وهي اللغة الآرامية، واللغة العبرية، واللغة اليونانية التي كان يترجم إليها الإنجيل وهذه الكتب- اطلع على نصوص فعلاً أثبتت التحريف القطعي في الكتب الموجودة عندهم والمترجمة.

تقول: ما أن انتهيت من المقرر الذي درسته معه حتى أزال من قلبي آخر بقايا العقيدة النصرانية.

أي أن الإسلام قضى في الأول عليها قليلاً وهو أجهز على كل ما عندها وغسل دماغها تماماً من أي ارتباط بهذه العقيدة، حينئذ بدأت تتصل بالمراكز الإسلامية في أمريكا، وتراسل بعض الإخوة هناك ويراسلوها، وتعاملوا معها، وفي يوم من الأيام اتصل بها أحد الإخوة من مدينة أخرى وقال لها: هذه الليلة سوف يحضر مجموعة من الإخوة المسلمين أرجو أن تقابليهم، وأظنهم حوالي عشرين أخاً ذهبوا إلى هنالك، وكان معهم عالم باكستاني متخصص جداً في هذا المجال وعلى علم كبير.

تقول: رأيت عنده علماً لم أره عند أحد، وظل يناقشها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وبعدما أجاب عن كل أسئلتها وانشرح صدرها تماماً قال لها: لماذا لا تدخلين في الإسلام؟ ففوجئت بالسؤال، وقالت: إني كثيراً ما جودلت وعلمت حتى شتمت، ولكن لم يقل لي أحد: ادخلي في الإسلام.

فتقول: صادفت هذه الكلمة وقت انفتاح قلبها للهداية، فشهدت الشهادتين في الحال، والآن اسمها: شريفة كارلو من أنشط الداعيات على مستوى العالم إلى الإسلام، ولها مقالات في الحجاب، وأنا أذكر لها مقالة باللغة الإنجليزية، ترجمت عنوان المقالة: بمجرد ما غطيت رأسي تفتح عقلي.

أي أنها رأت النور ورأت الهداية بمجرد أن تغطت، لكن هؤلاء الدجالين يقولون: إن الحجاب حجاب على العقل، وإن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها جسد فقط إلى آخر هذه الترهات.

ولها مقالات كثيرة، والعجيب أني رأيت لها مقالات تتكلم فيها على أنواع التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، ومقالة أخرى في الشرك وكيف ظهر في العالم، وتتكلم على قصة طروء الشرك في عهد نوح عليه السلام، وأن سببه الغلو في الصالحين، وتنقل نقولاً باللغة الإنكليزية، وتقول: شيخ الإسلام ابن تيمية قال كذا وكذا؛ لأنها تضلعت من العلوم في أثناء فترة دراستها، فإنها تضلعت من هذه العلوم حتى تطعن في الإسلام في الصميم، والحقيقة أن هذا أنموذج من النماذج التي تبين كيف أن الله سبحانه وتعالى يفتح لهذا الدين قلوب الناس.

وكما قلت: كتبت صحفية في الأهرام -وهي متبرجة تماماً- تستنكر قلة حياء المحاضرات، وتقول: على المرأة بعد مائة عام تحرير أن لا تطالب بـ قاسم أمين جديد، إنما بمن يعلمها الدين الذي كله حياء.

وقد تفوهت كثيرات بعبارات تخدش الحياء، وبكلام قبيح للغاية، حتى قال سامح كريم في صحيفة الأهرام: هل كان الفيلسوف الألماني شوفن هاور على حق حين قال: إن الرجل أكثر حياء من المرأة؟ فبلا شك أن الرجل أكثر حياءً من أمثال هؤلاء النسوة.

وكالعادة ليس من الممكن أن يفوتهن أنهن يشددن ثياب بعض وشعور بعض، وقد تشاجرن على المنصة وصرخن، حتى صرخت إحداهن في الجلسة الأولى بأعلى صوتها قائلة: نحن نريد قاسم أمين جديداً يحرر المرأة من المرأة! فالحقيقة أن المجتمع قفز من مرحلة كان الناس فيه يذمون المرأة ويقولون عنها: هذه وجهها مكشوف.

وكانوا حينما يريدون أن يذموا امرأة بأنها ما عندها حياء يقولون: هذه وجهها مكشوف، كان في أيام البذرة، والحصاد الآن وصل إلى مرحلة تفكك لا يستطيع أحد أن ينكرها، بل وصل الأمر إلى حد أنه في إحدى الدول العربية قامت طالبات كلية الشريعة بالسباحة لابسات أقبح ما يمكن من أزياء السباحة، فهللوا لذلك وقالوا: هذه بداية مرحلة التنوير، وهذه بداية التغلب على الأصولية في هذه البلاد، وهؤلاء السابحات هن طليعة التنوير الإسلامي ورسولات الإسلام المستنير في هذه البلد! فهذا هو الحصاد، وهذه إشارة هذا الحصاد الذي رأيناه في مؤتمر (القاهرة) ثم في مؤتمر (بكين) الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تحطيم الأسرة تماماً، والقضاء على الأسرة، وإيجاد تعريف جديد للأسرة.

ومن هذا الحصاد ما نعانيه الآن من القنوات الفضائية ذوات القصف الإعلامي المركز.

وهكذا انتشار المجلات النسائية التافهة، فإذا أردنا أن نفتح كشف حساب ختامي لوضع المرأة في نهاية القرن الذي مضى فلا شك أن العاقبة في غاية المرارة، وأنه مما يغنينا عن إكثار الكلام في هذا الموضوع عن هذا المؤتمر وما حصل فيه؛ فإنه لا يمكن أن يفضح أحد دعوة قاسم أمين بمثل ما فعل هؤلاء الملحدات، حيث وقفت واحدة منهم تقول: أنا ملحدة، وأصر على أني ملحدة، وأرفض أن يصفني أحد بأني مسلمة! وبالنسبة لهذا الشر ليس جديداً علينا؛ لأننا الآن في عصر الغربة الثانية، كما قال النبي عليه السلام: (وسيعود غريباً كما بدأ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم.

قلنا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)، يعني: مَنْ غير اليهود والنصارى؟ فكل الشر يأتينا من أوروبا، ويأتينا من الكفار، ومن الشر الذي أتانا هذه الدعوة المشئومة، كما ورد إلينا منهم كثير من الشرور الأخرى.