للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة قاسم أمين وكتابه تحرير المرأة]

قبل أن نذكر الدور الذي فعله قاسم أمين في هذه المرحلة نشير إلى أن قاسم أمين -للأسف الشديد- إسكندراني، ولد في (١ ديسمبر ١٨٦٣) في الإسكندرية، والتحق بمدرسة رأس التين الابتدائية بالإسنكدرية، وكانت تقع بحي رأس التين، وقيل: إن أباه من أصل كردي.

وقيل: إن الأصل للأسرة تركي.

سافر إلى فرنسا ليتم تعليمه هناك، وتأثر جداً بالإقامة في فرنسا، حتى إنه صرح بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة والتمثيل والتصوير والموسيقى، فبعدما كان الناس يقولون: مصر أم الدنيا.

أصبح في باريس يقول: مصر خادمة الدنيا يعني أنها تستحق أن تسمى خادمة الدنيا، وتعرف على صديقة فرنسية تدعى سلافا، فكانت تصحبه إلى المجتمعات الفرنسية، وتقرأ معه في كثير من الكتب.

وكان هناك حركة نسائية في ذلك الوقت تأثر بها قاسم أمين، ومن هنا بدأ يضطرب قاسم أمين، وكانت أول خطوات قاسم أمين -وهي المحطة الأولى- أنه تألم من كتاب داركير عن المصريين، فألف رداً باللغة الفرنسية في نبرة دفاعية تبريرية ضد هذا الكتاب، فكان فيه نوع من الاستخزال؛ حيث كان يخاطب هذا الرجل الفرنسي ويدافع عن الإسلام، فيقول له: إن الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية، وإن روح القرآن لا تختلف عن الروح الإنجيلية! يقول: ولهذا كان أمام مصر طريقان: العودة إلى تقاليد الإسلام، أو محاكاة أوروبا، وقد اختارت الطريق الثاني، إنها قد خطت اليوم بعيداً في هذا الطريق حتى ليصعب عليها الارتداد عنه، إن مصر تتحول إلى بلد أوروبي بطريقة تثير الدهشة، وقد أخذت إدارتها وأبنيتها وآثارها وشوارعها وعاداتها ولغتها وأدبها وذوقها وغذاءها وثيابها تتسم كلها بطابع أوروبي، لقد اعتاد المصريون قضاء الصيف في أوروبا كما اعتاد الأوروبيون قضاء الشتاء في مصر، فلعل أوروبا تقدر لمصر مسيرتها، ولعلها ترد لها يوماً بعض هذا الود الكبير الذي تكنه لها مصر! وقاسم أمين في أثناء الكتاب انتقد بعض النساء اللائي يخالطن الرجال ويبرزن أمام الرجال، فاصطدم في هذه الحالة بالأميرة نضلي فاضل؛ لأنه لم يكن في هذا الوقت من يتشبه بالنساء الأوروبيات ويخالط الرجال غيرها في صالونها الذي اتخذت منه مركزاً للتغريب، وإلى دعوة تحرير المرأة بصفة خاصة، وكان من رواد هذا الصالون سعد زغلول والشيخ محمد عبده وغيرهم.

فغضبت جداً من كلام قاسم وقالت قولاً شديداً بعد أن تهددت وتوعدت، وأمرت جريدة المقطم الناطقة بلسان الإنكليز أن ترد على قاسم أمين وتفند أخطاءه، لكن اقتنع قاسم أمين بضرورة تصحيح خطئه، واتفق معه سعد زغلول ومحمد عبده على أن ينشر كتاباً يصحح فيه خطأه، ويؤيد فيه الدوق داركير، ويواصل مناصرته لكتاب (المرأة في الشرق) لـ مورقس فهمي.

فهذه هي الظروف التي ولد فيها كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، وكان الذي توسط بين الأميرة وبين قاسم أمين هو -للأسف الشديد- الشيخ محمد عبده! فتقدم قاسم أمين بالاعتذار إلى الأميرة وقبلت اعتذاره، وظل يتردد على صالونها، ووضع كتابه الأول الذي هو (تحرير المرأة)، وفي هذا الكتاب ألغى الأفكار الدفاعية التي دافع فيها عن الإسلام في كتابه (المصريون) واتجه منحىً آخر، فيقول مثلاً: فالتركي نظيف صادق شجاع، والمصري على ضد ذلك، إلا أنك تراهما رغماً عن هذا الاختلاف متفقين في الجهل والكسل والانحطاط، إذاً لابد أن يكون بينهما أمر جامع وعلة مشتركة هي السبب الذي أوقعهما معاً في حالة واحدة، ولما لم يكن هناك أمر يشمل المسلمين جميعاً إلا الدين ذهب جمهور الأوروبيين وتبعهم قسم عظيم من نخبة المسلمين إلى أن الدين هو السبب الوحيد في انحطاط المسلمين وتأخرهم عن غيرهم! وقد تناول في كتابه مسألة الحجاب، واشتغال المرأة بالشئون العامة، وتعدد الزوجات، والطلاق، وفي كل هذه المسائل يأخذ بما يذهب إليه الغربيون! وهو في المرحلة الأولى كانت النبرة عنده هادئة في قضية الحجاب، وجعل كل المعركة منصبة حول حكم كشف الوجه، وأنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، فكان يقول في هذا الكتاب: الحجاب أصل من أصول الأدب يلزم التمسك به، ولكني أطالب بأن يكون منطبقاً على الشريعة الإسلامية.

ثم قال: إن الشريعة ليس فيها نص يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين، والدين منها براء.

وظل يتكلم كلاماً فقهياً، غير أنه من المعلوم والمشهور أنه كان ضحلاً جداً في الناحية الشرعية، ولم يكن عنده أي علم على الإطلاق، ولذلك اتفق كل من أرخ للكتاب على أن الفصول التي تناولت مناقشة القضايا الشرعية كتبها له الشيخ محمد عبده! وقد علق الشاعر أحمد شوقي على دعوة قاسم أمين فقال: في مطلب خشن كثير في مزالقه العثور ولك البيان الجذل في أثنائه العلم الغزير حتى لنسأل هل تغار على العقائد أم تغير؟ ما بالكتاب ولا الحديث إذا ذكرتهما نكير يقول قاسم أمين في بعض المواضع: في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأن لا وطن له، ويكفر بالله ورسله، ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم، ويقول ويكتب ما شاء الله في ذلك، ولا يفكر أحد أن ينقص شيئاً من احترامه لشخصه متى كان قوله صادراً عن نية حسنة واعتقاد صحيح! يعني أن من يكفر بالله ورسله ويشتم الأنبياء ليس هناك مشكلة معه ما دام الاعتقاد عنده صحيحاً والنية حسنة! يقول: كم من الزمن يمر على مصر قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية؟ فنقول: لم تمر مائة سنة حتى سمعنا هؤلاء الذين يكفرون بالله ورسله.

والغريب أن في نهاية كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" شاء الله تعالى أنه ختم آخر سطر في الكتاب بقوله: تم كتاب (تجريد المرأة)، وهو خطأ مطبعي، لكن معناه صحيح، وبعد ذلك حورب قاسم أمين وقوبل باعتراضات شديدة جداً، إلا أن سعد زغلول في هذه المرحلة وقف يسانده، واتهمه المعارضون بالهذيان، وهاجمه علماء الدين، وحكم الفقهاء بأنه خرق في الإسلام ومروق من الدين وضرب من المبالغة في تقليد الغربيين، وأنه يمالئ الإنكليز على ضياع البلاد، وأنه ينفذ أمنية من أماني الأمم الصليبية التي تريد أن تهدم الإسلام وتقوض البلاد والأخلاق.

وفي الهند ترجم الكتاب، وانتشر فيها انتشاراً كبيراً جداً.

وممن ناصروا قاسم أمين وبادروا إلى تأييد دعوته في كتاب "تحرير المرأة" جورجي نيقولا باذ، حيث ألف كتابين يؤيد فيهما قاسم أمين هما: "إكليل الغار على رأس المرأة" والآخر " النسائيات".