للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإسلام دين ودولة]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)، والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأولهن نقضاً الحكم) وفي هذا دليل على أن الإسلام دين ودولة، وأن الاشتغال بالسياسة بالمفهوم الإسلامي هو من صميم هذا الدين، بل -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- من عرى هذا الدين، فأول عرى الإسلام نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية) يعني: بيعة للحاكم المسلم.

هذا، ونحن نتعرض لموضوع الساعة وهو ما يتعلق بالعمل السياسي في المفهوم الإسلامي فلا ينبغي أن ننحصر في مفهوم الحكم، فإذا قلنا: العمل السياسي في الإسلام فلا نعني فقط ما يتعلق بالحكم، وإنما مصطلح العمل السياسي أوسع بكثير من مجرد الحكم، فالسياسة تشمل قيادة الناس، والاهتمام بالأمور العامة، وشئون الحكم منها، وعلاقة الدول بعضها ببعض، وغير ذلك.

فمن المسلمات التي لا يقول بعكسها إلا من ليس له حظ في الإسلام أن الإسلام دين ودولة، وربما لم يجتمع وصف الرسالة مع وصف الحكم والملك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمع وصف نبي وملك في حق داود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام, أما رسول بجانب الحكم والقيادة فالوحيد الذي جمع بينهما في أكمل صورة هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جمع بين مهمة الدعوة والبشارة والنذارة، وبين ممارسة واجبات الحاكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت كان حاكماً وقائداً وليس مجرد مرشد أو مبلغ كما يدعي البعض, بل كان حاكماً كما قال له الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، وقال له عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩] إلى آخر الآية، وكان قائداً كما قال الله له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:٨٤]، بل عاتبه الله سبحانه وتعالى في إذنه للذين استأذنوه في التخلف عن الجهاد فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة:٤٣]، ومارس القيادة العسكرية حينما عين أسامة بن زيد رضي الله عنهما قبل وفاته مباشرة لغزو الروم, وقال عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) إشارة إلى اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له للخلافة.