للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلاقة بين الإٍسلام والديمقراطية

من هذا الركام الذي وصل إلينا من خلال الاحتكاك بالعالم الغربي ومن خلال سفراء الغرب لدينا أو تجار الشنطة الثقافية كما يطلقون عليهم أن نبعت فكرة الديمقراطية كنظام يتبع، وأنه المخرج، وأنه النظام الأمثل إلى غير ذلك, فكانت هذه الفكرة من الأفكار التي وردت إلينا من الغرب، والغرب يحاول تسخيرها ليصل بها إلى مصالحه في البلاد الإسلامية.

والديمقراطية لو فرض جدلاً أنها تطبق فإنها نظام وفكرة نابعة من الثقافة الغربية, وهي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، يعني: أن يكون الشعب هو مصدر السلطات, والإسلام يرفض الديمقراطية تماماً باعتبارها لا تتوافق مع عقيدتنا ولا مع ثقافتنا الإسلامية لأسباب كثيرة سوف نفصلها إن شاء الله تعالى فيما بعد, لكن أهم الفروق التي بين النظامين: أن الدعاة إلى الإسلام يقولون: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, ويقولون: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] , {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥] ويقولون: إن الإسلام هو محور الحياة وهو منهج الحياة, امتثالاً لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، أما دعاة الديمقراطية الغربية فهم يقولون: خير الهدي هدي الغرب! إذاً: يوجد افتراق عقائدي من المنبع ومن الأصل, نحن عقيدتنا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم, أما هم فيقولون: خير الهدي هدي الغرب, وهو النموذج الأمثل الذي ينبغي أن نتبعه، وهو المخرج، بخلاف شعارنا أن الإسلام هو منهج الحياة, والعبارة التي تشيع الآن وهي (الإسلام هو الحل) هي عبارة صحيحة، لكنها عبارة قاصرة, الإسلام فعلاً هو الحل وهو المخرج كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦]، لكن هي عبارة قاصرة؛ لأن الإسلام لا ينظر إليه على أنه مجرد حل, بل هو بالنسبة إلينا منهج متكامل للحياة، حتى لو كلفنا الغالي والنفيس, ولو كلفنا دماءنا وأموالنا وأرواحنا فإننا نبذل ذلك طواعية في سبيل إعداده, فعبارة (الإسلام هو الحل) قاصرة، لأن بعض الدول الكافرة قد تدرس النظام القضائي في الإسلام فترى أنه الحل الأمثل فعلاً لمشكلتها فتمتثله, لا طاعة لله ولرسوله، ولا تأخذ به من باب العبودية لله عز وجل، وإنما من باب إدراك المصالح التي تتحقق من تطبيق الشريعة الإسلامية, فهم قد يقولون: (الإسلام هو الحل) في جزئية معينة, أما نحن فلا ننكر عبارة (الإسلام هو الحل) إذا أطلقها مسلمون واعون, لكن نقول: هي عبارة قاصرة، وأشمل منها أن نقول: الإسلام هو منهج الحياة المتكامل، ونحن لا نلجأ إليه فقط ليحل مشاكلنا، ونحصد ما يترتب على امتثاله من بركات, وإنما نمتثله حتى ولو كان التزامنا به يكلفنا أرواحنا ودماءنا وأموالنا، فإننا نبذلها في سبيل الله تبارك وتعالى.

أما الديمقراطية فهي تعني حكم الشعب بالشعب وللشعب, فبدل ما يعبد وثن واحد: هبل أو اللات أو العزى, فإن الشعب كله يكون آلهة له حق التشريع والتحليل والتحريم, فالحكم في الديمقراطية للأغلبية أياً كانت نوعية هؤلاء الناس، أما في الإسلام فمفهوم الشورى بالمعنى الشرعي الواسع يخالف هذا، والذين يتخذون القرارات التي تحتاجها الأمة هم الصفوة من أهل الحل والعقد, وهم أولو الأمر كما سماهم الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] , فهم الذين يحددون القرارات المصيرية، ويقودون الأمة للخير، أما أن يكون الحق لكل الناس وآحاد الناس فهذا يتعارض تماماً مع شريعة الإسلام, نعم توجد أغلبية في الإسلام, ولكنها أغلبية الصفوة من العلماء والفقهاء والحكماء والقادة العسكريين والخبراء ونحوهم في كل مجالات الحياة, فالصفوة المنتقاة هم الذين تراعى أغلبيتهم، وليس رجل الشارع الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل الساعة في قوله: (ينطق الرويبضة, قيل: ومن الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمور العامة).

هذه إشارة عابرة في حكم الديمقراطية، فبيننا معشر المسلمين وبين الغرب اختلاف في الثقافة، فإن الغرب له موقف من الدين بناء على تجربته السابقة في القرون الوسطى المظلمة، حيث عانى فيها الغرب عناء شديداً جداً من تسلط الكنيسة وظلمها وقهرها للناس ومحاربتها للعلم وفساد العقيدة التي كانت تدعوهم إليها مع تصادمها مع الفطرة, فكان رد الفعل أن ثار الغربيون على الكنيسة وأقصوها عن الحياة ورفعوا الشعار المعروف: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس, أما عندنا فالإسلام دين العلم, ودين الفطرة, ودين التوحيد, ولا يوجد أي مسوغ لأن ننادي بفصل الدين عن الحياة؛ لأننا لم نعرف مثل هذا النوع من الحكم القهري الظالم المتسلط الذي يحارب العلم ويحارب التطور ونحو ذلك؛ ولذا فإن الغرب لما تخلى عن عقيدته الفاسدة تقدم, فتم الربط بأن التقدم لا يكون إلا بالتخلي عن الدين, وحصل نوع من التعميم الظالم لهذه القاعدة, والحقيقة أن هذه القاعدة تنطبق على كل الأديان ما عدا الدين الإسلامي, فكل الأمم غير أمة الإسلام إذا تمسكت بدينها تقهقرت, وإذا تخلت عن دينها تقدمت في علوم الدنيا، فمثلاً اليابان لما حصل منهم تمرد على عبادة الإمبراطور، وتخلوا عن عقيدتهم, وفصلوا دينهم عن دولتهم؛ تقدموا وترقوا, وكذلك الغرب لما تخلى عن العقيدة النصرانية المحرفة تقدم وتطور، أما المسلمون فإنهم يعاملون من الله سبحانه وتعالى معاملة خاصة, يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠]، فكلما تمسكت الأمة بدينها ترقت وقويت, وكلما تخلت عنه ذلت وضعفت كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، فهذا قانون؛ لأن تركنا لدين الله كفر بنعمة الله سبحانه وتعالى, فإن كفرنا بنعمة الله عز وجل ورفضنا ديننا ولم نحترم شريعتنا فإننا نعود إلى ما كنا عليه قبل الإسلام في مؤخرة الأمم وفي ذيل الأمم.