للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انحسار السفور وامتداد الحجاب بين الجامعيات]

تقول جريدة الأهرام في تاريخ (٢٦/ ٤/١٩٧٧م): مر واحد وسبعون عاماً على وفاة قاسم أمين الذي دعا إلى تحرير المرأة ورفع الحجاب.

يقول الكاتب: الغريب أنه بعد مرور واحد وسبعين سنة على وفاته وفي نفس الوقت الذي نحتفل فيه بذكراه تقوم الدعوة إلى رجوع المرأة إلى البيت وحجبها عن المشاركة في الحياة العامة.

وهذا مصطفى أمين يعلن قلقه عن سبب انتشار المد الإسلامي بين الفتيات في مصر خاصة في الجامعات وبين أعلى الطبقات ثقافة، حيث يقول مصطفى أمين: حارب الأحرار -العبيد وليس الأحرار- في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها، ويظهر أن بعض الناس يريدون العودة بها إلى الوراء، وقد يحدث هذا في أي مكان، لكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر! وقال أحدهم في مجلة (صباح الخير) وقد تلقى بعض الردود المفحمة من فتيات محجبات عن آرائهن في الحب والعشق، فلم ترقه إجابات هؤلاء الأخوات، فعلق قائلاً: أي جامعة هذه، -يعني أن الجامعة لابد من أن تكون ملحدة وإلا فلا تكون متطورة- وأي طالبات جامعيات هؤلاء في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث المرأة مساوية للرجل وتصعد إلى الفضاء؟ إن كل ما يفعله المجتمع وكل ما تفعله الحكومة من تعليم البنت وتشغيلها، وما تفعله زعيمات النشاط النسائي في مصر لتأكيد هذه المساواة وتربية المرأة المصرية على الخروج على عقلية الحريم، تهزمه مثل هذه الأساليب في التربية والرعاية في المدن الجامعية للطلاب.

وفي مجلة (أكتوبر) نشرت صحيفة (كرستيان ولسن) بحثاً عن الإنجازات التي حققتها المرأة المصرية في ميادين العلم والدراسات الاجتماعية، وقالت الصحيفة (كرستيان ولسن): شيء غريب في مصر، لقد كانت الأمهات من جيل هدى شعراوي أكثر تحرراً وتقدماً من بعض الفتيات في مصر الآن.

أي: الفتيات المحجبات ومعنى ذلك أن هدى شعراوي وجيلها كن أكثر تحرراً وتطوراً من فتيات اليوم، والمتحدث يتحسر على الأموال والميزانيات والجهد الجهيد الذي بذل، ويرى أن هذا كله ذهب مع الريح.

لأنه هكذا الباطل، ولابد أن الحق ينتصر في النهاية، وليس هناك شك في هذا.

وجريدة (الأهالي) كانت تتابع ظاهرة الحجاب في قلق وفي غيظ، وكانت تفرد لها بحثاً في أثنائها على لسان الدكتورة زينب رضوان، وقد كان الناس من قبل يعيرون المرأة ويقولون لها: يا رجعية أنت لا تريدين أن تتعلمي إلى آخره، وأما في هذا الوقت فمن الذي يمنعهن من دخول الجامعات؟ ومن الذي يمنعهن من دخول المدارس؟ فأصبح الآن الموضوع ليس إقناعاً ولا حجة ولا حرية، وإنما هو قهر وإكراه.

تقول زينب رضوان: انتشر الحجاب بين الطبقة المثقفة قبل العوام، وهذا على عكس ما هو متعارف عليه، ونفس هذه الطبقة المثقفة هي التي رفضت الحجاب في زمن هدى شعراوي وخلعته وداسته، هي ذاتها التي عادت تنادي به وبالعودة إلى الأصالة، بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من المحجبات من الطبقة الوسطى وهي الطبقة التي تقود التغيير في أي مجتمع، صحيح أنه انتشر أيضاً بين الطبقة الأرستقراطية، ولكن بنسبة أقل.

وأمينة السعيد كانت تقول: الحجاب ثياب ممجوجة، فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها زي إسلامي، لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لبس أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء! وتقول منى رمضان في صحيفة (أكتوبر): عاد الحجاب مرة أخرى كظاهرة على وجوه الفتيات والسيدات في مصر، وهذه ليست آخر صيحة في عالم الموضة كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكنه نوع من الحشمة وإحياء التقاليد الإسلامية التي تطلب من النساء أن يدنين عليهن من جلابيبهن -تعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩]، وهذه آية قرآنية وليست تقاليد- والحشمة هنا نابعة من المرأة، وعلى أساسها فصلت هذه الثياب.

وهذا زكي نجيب محمود يتباكى على تبرج الجاهلين الذي انقشع أمام الصحوة الإسلامية فيقول في مقالة بعنوان: (ردة في عالم المرأة) -أي أنه يسمي الرجوع إلى أحكام الإسلام ردة-: أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ارتدت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج، إن أبشع جوانب الردة في حياة المرأة المصرية ليس أن أحداً يتدخل في شئون حياتها، أنها تريد أن تتعلم إلى آخر المدى فيمنعها أحد؛ لأن أحداً لا يمنعها من ذلك، وليس هو أنها تريد أن تعمل بما تعلمته فيمنعها أحد؛ لأن أحداً لا يقفل في وجهها أبواب العمل، وإنما الجانب البشع من تلك الردة هو أن المرأة اليوم تريد أن تجعل من نفسها وبمحض اختيارها حريماً يتحجب وراء الجدران أو يتستر وراء حجب وبراقع! ثم يتحسر على زمن السفور فيقول: ذلك زمن أوشك على الذهاب مع رائدات الجيل الماضي.

ثم يقول: إن في طائفة كبيرة من نساء هذا الجيل وبناته نكوصاً على الأعقاب بالقياس إلى الطموح الذي تميزت به أمهاتهن في الجيل الماضي، وإنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع أن ترى الجيل الأصغر منه سلفياً لدرجة تزيد على المألوف، وترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية، وبينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة، رأينا ثورة شبابنا تحتج هي أيضاً على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو بها إلى نموذج السلف، وهذه مصيبة! حيث إنه يدعو الشباب إلى الرجوع إلى نموذج السلف.

ثم قال في صحيفة (تتشن): حتى في الجامعات العبرية في إسرائيل بدأ الطلاب العرب والمسلمون يبدون اهتماماً متزايداً بالعودة إلى دينهم، وبدءوا يمارسون ضغوطاً على السلطات اليهودية بالسماح بفتح كليات للثقافة الإسلامية والشريعة الإسلامية في الجامعات اليهودية، كما بدأ العديد منهم يطلقون لحاهم، ويؤدون العبادات الإسلامية في الجامعات اليهودية، في حين بدأت الفتيات المسلمات في ارتداء الزي الشرعي.

تقول الصحيفة أيضاً: في جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات بالزي الشرعي، وقد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا وقد ارتدت الزي الشرعي الإسلامي.

وهذا ليس بعيداً على الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أن موضوع دعوة تحرير المرأة قد تلقى كثيراً من الصفعات، منها ما ذكرناه آنفاً من إقبال الفتيات على الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

والعملية ليست عملية قديم وجديد، بل العملية عملية حق وباطل؛ لأنه دين الله سبحانه وتعالى، فهم لا يستطيعون أن يستوعبوا حقيقة أن العاقبة للتقوى، وأن كلمة الله هي العليا.