للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعي في تغيير الواقع علاج لمرض القلب]

ليس المطلوب أن لا ترضى عن الواقع الذي أنت فيه، ليس هذا فحسب بل تسعى إلى تغييره: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] أتريد أن يغير الله ما بك من ضعف في الإيمان، ومن تقصير وتفريط؟ اشرع أولاً بأن تبحث وتفكر في نفسك: ما الذي فعلته؟ وما التقصير الذي ارتكبته؟ واجتهد في إرضاء الله عز وجل وتحريك خطة من جديد لتجديد الإيمان وتصحيح الإسلام حتى يأتيك وعد الله فيتغير حالك إلى أحسن حال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) ويقول تبارك وتعالى في بعض المصائب التي ألمت بالمسلمين في بعض الغزوات: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥]، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩].

ويروى أن بعض الناس لما أتى إليه أحد السلف وفتح له الباب آذاه أذية شديدة بالكلام، فقال له: أستاذنك برهة يسيرة.

ثم دخل إلى بيته فسجد لله عز وجل، وأخذ يتوب ويستغفر، ثم عاد إلى هذا الرجل فقال له: ما أخرك عني؟ قال: علمت أن الله سلطك علي بذنب أحدثته.

رحمهم الله أجمعين، يقول: إن الرجل إذا عصى الله عرف ذلك في خلق زوجته ودابته.

فعقوبة المعاصي تنعكس عليك وتجدها مع الناس من تسلطهم وتجرئهم عليك، كل هذا من الذنوب والمعاصي، فبعض السلف كان يقول: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق زوجتي ودابتي.

حتى الحمار الذي يركبه يستعصي عليه لأنه مسخر، والعقوبات تتنوع، فهناك عقوبات شرعية، وعقوبات كونية قدرية كالزلازل وكالمسخ إلى آخر هذه العقوبات التي ينزلها الله تبارك وتعالى، أما العقوبات الشرعية فمعروفة، كقطع يد السارق، ورجم الزاني، وجلد الشارب وهكذا، فهذه عقوبات شرعية.

والعقوبة قد تتغلظ وقد تخف، وقد تظهر وقد تخفى، وأخطر أنواع العقوبات هي العقوبة الخفية، وضربة العقوبة الخفية هي التي يعاقب بها الإنسان وهو لا يشعر أنه معاقب، بل زُين له سوء عمله: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة:٣٧]، فإذا وقع إنسان في هذا فإنه يكون فرحاً جداً، فهو يفرح بأن المعاصي ميسرة له، وهو مسرور وسعيد لما هو فيه، فلا يرى القبيح قبيحاً والحسن حسناً، بل تنعكس وتنقلب في قلبه هذه الموازين، وهذه أخطر عقوبة يعاقب الله بها العبد؛ لأن هذا العبد -أولاً- راضٍ عن نفسه، وهو بعكس المؤمن، أي: تسره سيئته وتسوءه حسنته، وينقبض من ذكر الله، فإذا ذكر الله اشمأز قلبه {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ} [الحج:٧٢] إذا ذكرته بالله سخط وغضب واشمأز، وإذا ذكر غير الله فدعوته إلى المعاصي وإلى اللهو والفساد ينشرح صدره ويهم، وإذا دعوته إلى الطاعة يحزن ويبطر ويقول ما لا ينبغي.

فالشاهد أن هذا الإنسان الذي زين له سوء عمله لن يتوب، ولذلك جاء في بعض الأحاديث (إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

فكيف يتوب المبتدع؟! المبتدع أصلاً زُين له سوء عمله، هو يرى أن السيئ حسناً والحسن قبيحاً، فلا يتوب إلا إذا شاء الله هداية قلبه بأسباب أخرى، فكذلك هذا الإنسان المفرط العاصي الذي زُين له سوء عمله يحب المعاصي ويفخر بها، فهذا معاقب بأشد أنواع العقاب، أشد من الزلازل، وأشد من الخسف، وأشد من الصيحة، وأشد من الصاعقة، وأشد من قطع اليد، وأشد من الرجم، وأشد من الجلد، فهذا معاقب بأشد عقوبة يعاقب الله بها عبده، وهي أن يسلط الله الغفلة على قلبه {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:٦٧] لما نسوا الله وضيعوا أمر الله عاقبهم الله بأن نسيهم، أي: تركهم فلا يفيقون من غفلتهم، بل يستمرون على الغفلة حتى يختم لهم -والعياذ بالله- بسوء الخاتمة، وقال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:١٩] أنساهم أنفسهم فلا يتفكرون في عاقبتها ومصيرها، وكيف ستكون الحياة الخالدة فيما بعد الموت أو في الدنيا.