للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تدبر قصص القرآن]

من بركات قراءة القرآن تدبر قصص الأنبياء، ودراستها للتأسي والعمل، يقول تبارك وتعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:١٢٠]، فإذا تأمل الإنسان قصة إبراهيم عليه السلام وتخيل الموقف: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:٦٨ - ٧٠].

فيتساءل: ماذا فعل إبراهيم لما ألقي في النار؟ إذا هدد الإنسان بالقتل أو التعذيب ماذا يفعل؟ ويتذكر إذا كان يقرأ القرآن قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣] نفس الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، لقد قال: حسبي الله ونعم الوكيل.

يعني: الله سوف يكفيني شركم.

وإذا تدبر الإنسان موقف موسى عليه السلام لما حصلت المطاردة بين موسى وقومه وفرعون وجنوده، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] لأنه ما بقي شيء يمشون عليه، فقد انتهوا إلى ساحل البحر فقالوا: (إنا لمدركون)، و (إن) فيها توكيد، وفي (اللام) أيضاً توكيد أنهم هالكون لا محالة، فماذا قال موسى عليه السلام الذي وعده الله بقوله: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]؟ الله معه، وهو يعلم أنه لا بد من فرج، وكما قال في مناسبة أخرى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤]، فهو واثق أن الخير نزل، لكنه فقط يريد تيسير السبيل إليه، فانظر: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥].

فعند البحر يقول تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦١ - ٦٢]، فأمره الله أن يشق البحر بالعصا، وهذا الأمر عجيب لو أن الإنسان تخيله! فالبحر لم يوضع جسر عليه فوق الماء حتى مشوا عليه، لا، الذي حصل أن البحر انفلق: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:٦٣] صار الماء من الجانبين مثل الجبل العالي، فالماء بقدرة الله وقف وانكشف قاع البحر، فمشوا على قاع البحر، ووقف الماء بقدرة الله في الجانبين، ومشى موسى وقومه، وفرعون الغبي حينما رأى ذلك كان ينبغي أن يعرف أن هذا لا يكون إلا بقدرة الله، لا يكون إلا بقوة الله الذي خلق هذا السبب، ولكن أعماه الله عن أن يدرك هذه الحقيقة: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا} [يونس:٩٠] فأطبق الله عليهم البحر فغرقوا وهلكوا.

أيضاً الإنسان لو تأمل موقف فرعون -لعنه الله- حينما توعد المؤمنين: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:٧١] ماذا أجاب المؤمنون؟ وكم كان عمر إيمانهم؟ كان عمر إيمانهم لحظات، فأجابوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢].

كذلك الإنسان لو تأمل قصة مؤمن آل ياسين أو أصحاب الأخدود وغير ذلك من المواقف، كل ذلك مما يعين على الثبات.