للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وعيد الشرع وتهديده للمتهاونين بصلاة الجماعة]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى)، هذا الحديث رواه أبو داود في سننه، وهو -بلا شك- ينذر بالعاقبة الوخيمة لمن يتعمد التخلف عن صلاة الجماعة بعد أن يسمع النداء.

يقول عليه الصلاة والسلام: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر) فقاطعه الصحابة قبل أن يكمل الحديث وقالوا: (وما العذر؟) قال: (خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى).

وعنه رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)، والنداء: الأذان لصلاة الجماعة.

وهذا رواه الحاكم وصححه.

وعن أبي الدرداء رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا في بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة)، وهذا -أيضاً- رواه الحاكم في المستدرك، والجماعة في هذا الحديث هي صلاة الجماعة، كما هو أحد معاني الجماعة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: (هذا في النار) رواه الترمذي في سننه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) رواه مسلم في صحيحه.

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله تعالى: وأجمعوا على أن صلاة الجماعة مشروعة، وأنه يجب إظهارها في الناس، فإن امتنع من ذلك أهل بلد قوتلوا عليها.

فصلاة الجماعة من شعائر الإسلام الظاهرة التي ينبغي أن تكون ملمحاً بيناً من ملامح المجتمع المسلم، وإذا أذن للصلاة فعلى الناس أن يخرجوا من بيوتهم زرافات ووحداناً، فالمحلات تغلق، والذي يمشي بالسيارة يتوقف، ويهرع الجميع إلى المسجد كما نلحظ ذلك في المجتمعات التي ما زالت متمسكة بهذه الشعيرة الإسلامية، فمن خصائص المجتمع الإسلامي تعظيم صلاة الجماعة، وجعلها من شعائر وخصائص وملامح وسمات هذا المجتمع.

يقول ابن هبيرة: (وأجمعوا -أي: الفقهاء- على أن صلاة الجماعة مشروعة، وأنه يجب إظهارها في الناس) يعني: لابد من أن تظهر في المجتمع، قال: (فإن امتنع من ذلك أهل بلد) أو تواطأ أهل بلد على الامتناع من صلاة الجماعة، وأصروا على الصلاة في بيوتهم وعدم المناداة بصلاة الجماعة والجهر بها في الناس (قوتلوا عليها)، فالإمام أو الحاكم عليه أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى إظهار صلاة الجماعة.

وينبغي أن يعلم أن العبارات في هذا السياق إنما يخاطب بها الإمام الممكن، ولا تخاطب آحاد الناس.

وللصلاة عموماً منزلة عظيمة جداً في الإسلام، ولصلاة الجماعة خصوصاً مرتبة عالية وفوائد جمة، ولذلك شدد الإسلام في النكير على من يفرط فيها، وهدد الذين يتهاونون بها ويتساهلون فيها، وأنذرهم بالعواقب الوخيمة، واعتبر صلاتهم في البيوت كـ (لا صلاة) كقوله عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)، وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى).

فبإذن الله تبارك وتعالى في هذا الموضوع الحيوي المهم نتناصح فيه من باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الدين النصيحة!) بل من باب قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣]، وسوف نناقش -إن شاء الله- ونستعرض بالتفصيل أحكام صلاة الجماعة ومتعلقاتها.