للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعظيم شعائر الدين وتقديمها على ما عداها من أمور الدنيا]

في هذا الكلام أقوى وأوضح رد على هؤلاء الضالين الذين يعطلون شعائر الله سبحانه وتعالى، بل يمتحنون الناس ويبتلونهم في دينهم بسبب محافظتهم على شعائر صلاة الجماعة، فنجد أن بعض الكليات -والعياذ بالله- وجدت في الأسبوع كله وقتاً تعقد فيه امتحانات البكالوريوس إلا ساعة صلاة الجمعة، قلوب منكوتة، وفطر منسوخة، ضاق عليهم الوقت ولم يبق إلا وقت صلاة الجمعة، كما يحصل في كلية التجارة أو غيرها في مصر، ويقول الجاهل منهم: إن العمل عبادة فهل العمل عبادة والصلاة ليست عبادة؟! ففي غير مواعيد الصلاة عندك ساعات كثيرة في اليوم يمكن أن تنظم فيها أمورك، فلماذا تزاحم حقوق الله سبحانه وتعالى؟ والله تبارك وتعالى يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٦ - ٣٨].

فالشاهد أن العمل عبادة باعتبار معين، أما الاعتبار المطلق فالعبادة هي الصلاة والصيام وذكر الله، وهكذا.

انظر كيف أثنى الله عليهم، إن الذي يسميه أولئك عبادة لم يلههم عن تعمير مساجد الله، بل قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:١٨]، فجعل تعمير المساجد علامة الإيمان بالله واليوم الآخر، وغير ذلك من شعائر الإسلام.

وانظر أيضاً إلى قوله تبارك وتعالى في سورة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩]، فنحن أغنياء عن هذه العبادة، وما يصح البيع ساعة صلاة الجمعة، ويأثم الإنسان إذا اكتسب مالاً من بيع أو شراء ساعة صلاة الجمعة (وَذَرُوا الْبَيْعَ)، فهذا هو حكم الله سبحانه وتعالى، فأولئك يسمونها عبادة والله يقول: اتركوا هذه العبادة وانبذوها وهلموا إلى العبادة الحقيقية.

ثم قال تبارك وتعالى بعد ذلك {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:١٠]، فهذا جواب مجمل على هؤلاء الضالين.

فهم يقولون: العمل عبادة.

وهذه الكلمة كأنها آية منزلة في القرآن يتواصون بها ويلقونها في آذان بعضهم، ويرددونها بلا فهم وبلا وعي، فالعمل عندهم عبادة، وكأن الصلاة ليست عبادة! وأصبح العمل عبادة والصلاة ليست عبادة، فلماذا لا تنظمون الأمور بحكمة حتى لا تتعارض مع دين هذه الأمة، فهذه الأمة أغلبها -ولله الحمد- مسلمون، فلماذا لا نحترم دين هذه الأمة؟ لماذا لا نحترم عباداتها؟ لماذا لا توضع جداول للجامعات والمصانع والشركات والمستشفيات وكل شيء؟ لماذا لا ترتب طبقاً لمواعيد الصلاة حتى لا يفتن الناس في دينهم؟ فلا يصل الأمر إلى إهمال هذا الأمر عند التخطيط لهذه الأشياء، بل يصل إلى حد معاقبة من يتخلف عن الطوابير أحياناً أو عن شيء من هذه الأنشطة التي يسمونها عبادة، ويعاقب وقد يفصل ويمتحن ويوضع في هذه الفتنة الشديدة، وإلا فما الذي يعنيه دخول إنسان لامتحان ما في ساعة صلاة الجمعة، والعياذ بالله، قلوب سوداء رانت عليها الذنوب والمعاصي.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً طبع الله على قلبه) والعياذ بالله! ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً) رواه البخاري.