للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة من أسباب دخول الجنة]

ومن فضائل ووظائف آية الكرسي أيضاًًًُ: ما بشّر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: أن من قرأها بعد الصلاة المكتوبة، لا يحول بينه وبين دخول الجنة إلا الموت.

فقد روى الإمام النسائي وابن حبان والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت).

وهذا الحديث قال عنه الحافظ المنذري: رواه النسائي والطبراني بأسانيد آحادها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في كتاب الصلاة وصححه، وأيضاً صححه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.

قال الطيبي في شرح قوله: (لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت): أي: أن الموت يكون هو الحاجز بينه وبين دخول الجنة، فإذا انقضى هذا الحاجز -الموت- حصل دخول الجنة، (لم يمنعه)، وهذا يدل على أن من أراد أيضاً أن يختم له بخير فليحرص على آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة، كما في فضيلة سيد الاستغفار: (أن من قرأه حين يصبح ثم مات من يومه دخل الجنة، ومن قرأه حين يمسي ثم مات من ليلته دخل الجنة).

وقراءة آية الكرسي أحد أسباب دخول الجنة، واستحقاق الجنة أن يكون قد قرأ آية الكرسي في هذين الوقتين، أو يكون قرأ آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة.

قال المُلاّ علي القاري: ويمكن أن يقال بالمقصود: أنه لا يمنع من دخول الجنة شيء من الأشياء ألبتة؛ لأن الموت في الحقيقة ليس مانعاً من دخول الجنة، بل قد يكون موجباً لدخولها، ويكون الوسيلة لدخول الجنة، فيكون تفسير هذا الحديث على مثل قول القائل: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلولٌ من قراع الكتائبِ فهل الناس الذين يصفهم الشاعر يُذمّون بهذا الكلام؟!

الجواب

لا، بل هذا من المدح؛ لأن مما يدل على الشجاعة أن السيوف تكون فيها الخدوش نتيجة لكثرة القتال بها، فهذا فيه وصف لهم بالشجاعة.

وأحياناً قد يمدح الإنسان من يحبه ويؤكد مدحه بما يشبه الذم، فمثلاً تقول: فلان ليس فيه عيب إلا أنه يموت، وهل كون الإنسان يموت هذا عيب؟! فيكون المقصود في هذا البيت: أنه لا عيب فيهم.

فإذاً: هذا يشبه تفسير آخر الحديث: (لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)، يعني: لم يمنعه من دخول الجنة شيء ألبتة.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:٨]، فقوله: (وما نقموا منهم) يعني: ما كرهوا وما عابوا عليهم إلا الإيمان، مع أن هذا مما لا يُكره ولا يُعاب.

ولا شك أن هذا من الفضل العظيم لهذه الآية العظيمة -وهي آية الكرسي- وفعله يسير جداً، وفي نفس الوقت جزاؤه عظيم للغاية، فهل يخطر على قلب بشر جزاء أجلّ وأفضل من هذا الجزاء، وهو أنه إذا قرأ آية الكرسي استحقّ الجنة! ويبقى فقط أن يموت حتى يدخل الجنة! فهذا هو الفوز العظيم كما قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].