للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السيدة نفيسة بنت الحسن رحمها الله تعالى]

أما السيدة المكرمة الصالحة نفيسة فهي بنت الحسن بن زيد بن السيد سبط النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي العلوية الحسنية رضي الله عنها، وهي السيدة نفيسة المدفونة في القاهرة، وللأسف أنه يفعل بقبرها من الشرك ما الله ورسوله والمؤمنون منه براء، وهي -أيضاً- بريئة منه، كانت -رحمها الله وأكرمها- من الصالحات العابدات، زاهدة تقية نقية، تقوم الليل وتصوم النهار، وتكثر البكاء من خشية الله عز وجل، حتى قيل لها: ترفقي بنفسك.

لكثرة ما رأوا منها، فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلا الفائزون؟! وقد حجت ثلاثين حجة، وكانت تحفظ القرآن وتفسيره.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن حكى أنها دخلت مصر مع زوجها المؤتمن إسحاق بن جعفر الصادق فأقامت بها، يقول ابن كثير: لما دخلت مع زوجها أقامت بها، وكانت ذات مال، فأحسنت إلى الناس والجذامى والزمنى والمرضى وعموم الناس، وكانت عابدة زاهدة كثيرة الخير، ولما ورد الشافعي مصر أحسنت إليه، وكان ربما صلى بها في شهر رمضان، وحين مات أمرت أن تُدخل جنازته إليها، فأُدخل جثمانه رضي الله عنه عليها فصلت عليه.

ولها أخبار طيبة، منها أنها لما قدمت إلى مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق، -وقيل: مع أبيها الحسن - هرع إليها أهل مصر يشكون من ظلم أحمد بن طولون ويجأرون إليها من ظلم أحمد بن طولون، فقالت: متى يركب -تعني موكبه متى يكون موعده-؟ قالوا: في غد.

فكتبت رقعة ووقفت في طريقه في الموكب، وقالت: يا أحمد بن طولون! فلما رآها عرفها، فترجل عن فرسه -أي: نزل في الحال عن الفرس- ومشى على رجليه، وأخذ منها الرقعة، وقرأها فإذا فيها: ملكتم فأسرتم- من الأسر- وقدرتم فقهرتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام القدر نافذة غير مخطئة، لاسيما من قلوب أفزعتموها، وأكباد روعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧] فعدل لوقته أي: رجع عن الظلم في الحال.

وقد قيل: إن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى سمع منها الحديث من وراء حجاب، وطلب منها أن تدعو له.

وحضرتها الوفاة رحمها الله تعالى وهي صائمة، فألزموها أن تفطر، فقالت: واعجباه! أنا منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه صائماً أأفطر الآن؟! هذا لا يكون، وخرجت من الدنيا وهي تقرأ القرآن، وكانت آخر آية قرأتها قبل أن تقبض روحها: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢] رحمها الله ورضي عنها.