للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة لإنقاذ التعليم]

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فقد بين الله تبارك وتعالى أحد مقاصد هذه البعثة وهذه الرسالة في قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:٥٥].

فأحد المقاصد الأساسية التي من أجلها يبعث الله عز وجل رسله، وينزل آياته، هي: أن تستبين سبيل المجرمين، حتى لا يختلط الحق بالباطل، ولا الهدى بالضلال، ولا الغي بالرشاد.

فمن هذا المنطلق نختار هذه القضية لنناقشها اليوم، وهي قضية قد تناولها كتاب صدر حديثاً اسمه: التطوير بين الحقيقة والتضليل أو دعوة لإنقاذ التعليم، للمؤلفين: الدكتور جمال عبد الهادي والأستاذ علي أحمد لبن، فجمعا في هذا الكتاب مادة عظيمة تلفت أنظار المسلمين إلى هذا الخطر الداهم الذي يطل برأسه في هذه الأيام، ولا شك أن مناهج التعليم هي عبارة عن عملية صياغة عقول هذه الأمة، وأي تخريب في مناهج التعليم فهو اغتيال لهوية المسلم وأبنائه والأجيال القادمة.

وقد بعث المأمون إلى بعض من طال حبسه في السجن، وقال لهم: ما أشد ما مر عليكم في هذا الحبس؟ قالوا: ما فاتنا من تربية أولادنا.

والمناهج الدراسية تصوغ عقول الأولاد وشخصياتهم أقوى مما يفعل الأبوان بالنسبة لظروف الحياة في هذا الزمان، ولا يكون تأثيرهما على الأولاد مساوياً لما يحدث من التأثير في المدارس من خلال هذه المناهج.

كان المصريون القدماء -وهم أجدادنا الذين نبرأ إلى الله منهم ومن كفرهم وشركهم- حيارى في التعبير عن هويتهم، فاخترعوا ما أسموه: أبا الهول، جسم حيوان يدل على القوة والبطش، ورأس إنسان يدل على العقل والذكاء، فلابد للمجتمع من قوة العلم والقوة الحسية أو المادية.

الآن نجد أن الصورة تنعكس، نرى بشراً أجسامهم في صورة بشر، لكن عقولهم خنزيرية، عقول تبرأ هذه الأمة منها، وهم الذين ينفثون سمومهم خلال هذه المناهج، وهذه القضية ليست قضية ثانوية، بل هي قضية كل بيت مسلم، فالمناهج تقوم بصياغة عقول أبناء المسلمين، وكل مسلم يعتز بولائه وانتمائه إلى هذا الدين وإلى هذه الأمة وإلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم يهمه أمر المناهج، فإنه ما من أسرة إلا ولها أبناء وإخوة يذهبون ليتشربوا هذه السموم التي توضع في مناهج التعليم.

هذه الفتنة خطيرة جداً، وتدرك آثارها على مدى سنوات، وليس في خلال ساعات، ودور المسلم لا يقتصر على الحسبلة والحوقلة، وضرب إحدى اليدين على الأخرى، والتواصي بالدعاء على فاتح الشرور الذي فتح هذه الفتنة في اغتيال عقول شباب المسلمين وأبناء المسلمين، فلابد من التحذير من هذه الفتنة.

أعظم ما كان يهتم به نابليون حينما غزا مصر محاولة تغيير العقيلة المصرية التي صاغها الإسلام وصاغها القرآن والسنة، فأتى بمطبعة لأنه من خلالها يستطيع أن ينفث سموم أفكاره الغربية.

كذلك الإنجليز حينما أتوا كان أهم وظيفة يؤدونها هي هدم التعليم، وذلك القسيس الكاهن الذي استجلب من بريطانيا لكي يخطط لهدم التعليم الإسلامي، ومخططه والمنهج الذي رسمه مسبقاً لمناهج التعليم في مصر ما زال مستمراً إلى الآن.

وليس المقام مقام كلام تاريخي نفصل فيه محاولات اغتيال العقلية المسلمة التي تنشأ من خلال هذه المناهج، لكن ندخل مباشرة في الموضوع، ونحاول أن نلخص بعض المعالم الرئيسية في هذا الكتاب.

يقول المؤلفان في بداية الكتاب: يتساءل المرء عن الأسباب والدوافع التي حدت بوزارة التعليم والأزهر إلى إدخال تغييرات على المناهج والمقررات تحت مسمى التطوير! وبهذه السرعة ودون روية! وأتساءل أيضاً عن القواعد والأسس التي تحكم هذا التطوير، وكل تغيير أو تطوير لابد أن تكون له دوافع وأسباب ينطلق منها، وأيضاً أهداف يسعى إليها! ونحن لسنا ضد التطوير، ولكننا نريده تطويراً حقيقياً ينطلق من عقيدة الأمة التي حددها الدستور -كذا قالا، ونحن نقول: التي حددها لنا رب العالمين ربنا تبارك وتعالى، ولا يضيرنا أن يوافق الدستور على هذا أو يخالفه- ثم ذكرا في الباب الأول اقتران الغزو العسكري بالغزو الفكري الذي يهدف إلى تخريب الشخصية الإسلامية عبر التعليم المنهجي والتثقيف العام، وبينا أنه رغم خروج الإنجليز من مصر لكن ظلت سياستهم التعليمية هي السائدة، ولم تتغير عن طريقها، ولم تحد أبداً، ثم يتكلم الكتاب عن حقيقة التطوير الحالي، والأصابع الخفية التي تقف وراءه.