للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فساد الاعتقاد]

من أعظم أسباب سوء الخاتمة: منها الفساد في الاعتقاد، يعني: أن تكون عقيدة الرجل فاسدة والعياذ بالله، حتى لو كان رجلاً صالحاً مجتهداً في الزهد والعبادة والورع لكن عنده فساد في العقيدة، فهذا من أعظم الأسباب التي تجلب له سوء الخاتمة.

فإن كان له فساد في اعتقاده مع كونه قاطعاً به متيقناً به غير ظانٍ أنه أخطأ فيه، فقد ينكشف له في حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده من الاعتقادات، وحينئذ يهتز ذلك الاعتقاد في تصوره حينما ينكشف له، فإن كان عنده اعتقادات أخرى صائبة ربما اهتزت هي أيضاً ووقع في الريبة والعياذ بالله.

وما من شك أن الريبة تنافي الإيمان كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥]، فإذا دخل الإيمان شك ولو للحظة وقبض الإنسان عليه ضاع كل هذا الإيمان، فيكون بطلان بعض اعتقاداته سبباً لزوال بقية اعتقاداته الصائبة، وخروج روحه في هذه الحالة قبل أن يتدارك ويعود إلى أصل الإيمان خاتمة سوء؛ لأنه يخرج من الدنيا بغير إيمان.

فالعقيدة الفاسدة تنكشف لصاحبها عند الموت كما يشهد بذلك قوله تبارك وتعالى في حق المسيح عليه السلام: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:١٥٩] على أحد التفسيرين، فإذا كان الضمير يعود إلى أهل الكتاب فيكون معناها: قبل أن يموت أي إنسان من أهل الكتاب فإنه ينكشف له بطلان اعتقاده، فإن كان نصرانياً يعبد المسيح فإنه قبل أن يموت وتخرج روحه تنكشف له الحقيقة، ويظهر له بطلان ما كان عليه من العقيدة عند موته.

والتفسير الآخر أن (الهاء) في قوله: (قبل موته) تعود إلى المسيح عليه السلام، فيكون المعنى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته حين ينزل من السماء في آخر الزمان، وحينئذ لا يقبل المسيح إلا الإسلام، فيضع الجزية، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب؛ كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم.

وقد سبق أن بينا في مناسبات أخرى أن الشيطان يحضر المؤمن عند الموت، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت)، فيأتي الشيطان ويكون ملبساً له ما هو عليه، ويحرص على أن يختم له بسوء ما دام فيه نفس، وما دام فيه روح، وقد حكي في ترجمة الإمام أحمد أنه عند احتضاره رضي الله عنه كان يقول: لا بعد، لا بعد، فأغمي عليه ثم أفاق فقال له ابنه: يا أبت! إنك قلت كذا وكذا فما سبب ذلك؟ فقال الإمام رحمه الله: ذاك شيطان عبر لي في جانب الحجرة يعد أنامله ويقول: يا أحمد! فتني -يعني: فاتني أن أضلك وأنت حي- فكان يجيب الإمام ويقول: لا بعد.

يعني: ليس بعد ما دام فيّ نفس وروح، فأنا قابل لأن أبتلى بك، وهذا من فقهه ووعيه رضي الله تبارك وتعالى عنه.

يقول الله تبارك وتعالى في هؤلاء الذين يصابون بفساد العقيدة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].

ويقول تبارك وتعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].

فكل من اعتقد شيئاً على خلاف ما هو عليه، فهو واقع في هذا الخطر، ولا ينفعه الزهد والصلاح، وإنما ينفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن العقائد الدينية لا يعتد بها إلا إذا كانت مأخوذة من الكتاب والسنة.