للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جهله بالسنة وكتبها وعلمائها]

يقول في هذه المقالة: ويقول الله لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة الزمر: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} [الزمر:١٩]، فيقول: هذا استفهام إنكاري.

فنقول له: هل ينقذ النبي صلى الله عليه وسلم من في النار بإرادته أم بإذن الله؟ ثم أيضاً قد أثبت الله الشفاعة في القرآن، ومن ذلك قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، وأحاديث الشفاعة تقول: (إنه يستأذن ربه) إلى آخر الحديث كما هو معلوم.

وهذا الرجل -كعادة أهل الأهواء- يكتب ماله ويسكت عما هو عليه، فأتى بالآيات التي تؤيد مذهبه الضال فقط، مع أنه يقول: أنا أتبع القرآن فقط ولا أتبع السنة، فنقول له: إنّ القرآن نفسه يرد عليك؛ لأن هناك آيات -كما ذكرنا- تنفي الشفاعة، وهناك آيات أخرى تثبت الشفاعة بالشرطين السابقين، فالقرآن يثبت الشفاعة، وهو لا يستطيع أن يتخلص من هذا المخرج، وهو لا يحسن فهم كلام الله سبحانه وتعالى.

يقول: وهذه الثوابت القرآنية، يعني: قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:٣٧]-وهذه الآية في الكفار، وهم ليس لهم شفاعة- فيقول: أهل النار في سورة المؤمنون {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٧ - ١٠٨]، ويقول في سورة البقرة: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧]، يقول: هذه الثوابت القرآنية تتناقض تماماً مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة.

فهنا يسمي كتب الحديث بكتب السيرة!! فهو لا يعرف عنوان هذا العلم!! مع أن الفرق شاسع بين كتب السيرة وبين كتب علم الحديث التي من ضمنها كتاب السيرة، فهذا يدل على أنه لا يفقه حتى عناوين العلوم الشرعية.

يقول: وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماماً مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة من إخراجه مَن يشاء من أمته من النار، ومما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة، ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يقول الشبعان وهو متكئ على أريكته: (بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرمه الله).

ثم يأتي بآيات من القرآن الكريم هي في حق الكفار أيضاً، ولا نطيل بذكر كلامه، ثم يقول: إذاً فالشفاعة ينفرد الله بها وحده، وعلينا أن نفهم الشفاعة في هذه الحدود، والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، ولم يقل لنا رب العالمين: إنه حفظ البخاري أو غيره من كتب السيرة، يقول: وما يقوله البخاري مناقض للقرآن لا يلزمنا في شيء، وسيسأل عنه البخاري يوم الحساب، ولا نسأل نحن عنه.

أقول: هذا الرجل مسكين في العلم، وهل هذا كلام البخاري؟!! لقد قام البخاري بجمع الأحاديث، واشترط شروطاً في غاية الدقة لصحة الحديث، وهذه الأحاديث مروية بالأسانيد التي تميزت به هذه الأمة.

ويقول: ولم يكن البخاري هو الوحيد الذي خاض في موضوع السيرة النبوية، لكن كتّاب السيرة كثيرون، وقد تناقضوا واختلفوا مع بعضهم البعض، وامتلأت كتب السيرة بالموضوع والمدسوس من الأحاديث، والعجيب والمنكر من الإسرائيليات، وقرأنا في أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي! وهذا كذب وافتراء لا يعقل إلى آخر الكلام.

وهذا قصور في عقله وفهمه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع اليهود، وهو مشرع للأمة، وفعله هذا فيه تشريع، ويؤخذ منه جواز مثل هذا التعامل والرهن مع اليهود، وهذا الحديث صحيح ليس فيه أي إشكال.

ويقول: إذا كان ربنا يقول: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:٥] ألا يعطيه ما يستغني به عن اليهود؟! فهو يفهم بعقله القاصر أن المراد بالإعطاء في هذه الآية أن يعطيه الفلوس والأموال، ولم يدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم زهد في الدنيا ورفضها، فقد خيره الله بين أن يحول له جبال مكة ذهباً، وبين أن يكون عبداً نبياً، فاختار أن يكون عبداً نبياً، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يطمح إلى أن يعطى الأموال.

ثم يقول: والعمدة المعتمد في جميع أمور الملة هو القرآن المجيد، نتمسك به، ونحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة.

فنقول له: هذه اللافتة تصل بها نفسك؛ لأنك من أهل البدع والضلال، فمن قال هذا فهو ضال كما بينا، (لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)، فقطعاً أنت ضال ما دمت تقول هذه العبارة، وأنت من الفرقة الضالة التي أخبر النبي عليه السلام عن ظهورها فقال: (ألا يوشك شبعان متكئ على أريكته) أي: أنه لم يرحل، ولم يسافر، ولم يجع، ولم يجب القفار والصحراء ليحقق الحديث، ثم يزعم أنه يكتفي بالقرآن! فإذا حدثت الرجل بحديث فقال: دعك من هذا وأجبني عن القرآن، فهذا ضال.

يقول: ونحتكم إليه -أي: القرآن- في كل صغيرة وكبيرة، وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به؛ فالذين كتبوا السيرة بشر مثلنا يخطئون ويصيبون.

أقول: هذا الرجل مسكين، فهو يظن أنهم كتبوا من تلقاء أنفسهم، فهو لا يعرف ما هي الأسانيد، ولا ما هي الأحاديث، ولا من هو البخاري، ولا ما هي السيرة، فهو مغرق في الجهل، فكيف يتكلم في الدين بهذه الطريقة؟! ويقول: أما القرآن فهو الكتاب المحفوظ من رب العالمين، وهو الكتاب الوحيد الموثق بين كل ما تبقى من الكتب المقدسة.

ومن ثم يستدل على أنه ليس هناك شيء اسمه سنة، فالقرآن فقط هو المأخوذ به، فيقول: ألم يقل ربنا تبارك وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨]، ففهم هذا المسكين من قوله تعالى: ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) أنه لا يوجد تشريع اسمه سنة، وإنما التشريع هو في القرآن فقط!! فلم يعرف سبب نزول الآية، وأنها كانت في القنوت على بعض الناس إلى آخر القصة المعروفة.

ثم يقول: فكيف نقلب الأمر ونجعل من النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الأمر يوم القيامة، والمنفرد بالشفاعة من دون الله؟! أقول: هل يوجد أحد من أهل السنة والجماعة -ولو من عوامهم- قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يتفرد يوم القيامة بالشفاعة من دون الله؟! وأين الآيات التي تشترط أن يرضى الله عمن يشفع فيه، وأن يأذن لمن يشاء أن يشفع؟! فهذا كله كذب وافتراء وتدليس لا يقبل.

يقول: فكيف نقبل الأمر ونجعل من النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الأمر يوم القيامة، والمنفرد بالشفاعة من دون الله، وهو الذي قال له معاتباً: ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) إلى آخر كلامه.