للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أعظم مصيبة أصيبت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب).

هذا الحديث رواه ابن سعد والترمذي مرسلاً، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً، وله شواهد، منها: عند ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجا أن يخلفه الله فيهم، فقال: يا أيها الناس! أيما أحد من الناس -أو من المؤمنين- أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي).

وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكنه يعد شاهداً من شواهد الحديث الأول.

فقوله: (يا أيها الناس أيما أحد من الناس -أو من المؤمنين- أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري) قاله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

فمقتضى هذا المعنى أن المصاب بموت النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم مصيبة مرت على المسلمين؛ لأن بموته انقطع الوحي والرسالة، فيرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا أصيب في أي شيء من فقد عزيز عليه بموت أو غيره فإنه يتعزى بالمصاب الأكبر الذي أصاب الأمة، ألا وهو موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي).

ومن شواهده -أيضاً-: ما رواه ابن المبارك في الزهد عن القاسم بن محمد مرسلاً: (ليعز المسلمون في مصائبهم المصيبة بي)، وذلك لأنها -كما ذكرنا- أعظم المصائب، وقال بعضهم: اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والحديث يرشد إلى أسلوب من أساليب التعزي والصبر عند حلول المصائب، فلا بد من أن يتفطن المؤمن؛ لأن الصبر صبران: صبر محمود وصبر مذموم، وليس كل صبر محموداً، لكن هناك صبر محمود وهناك صبر مذموم، فالصبر المحمود هو الصبر على قدر الله عز وجل عند حلول أي شيء من الكوارث أو المصائب القدرية، فهذا هو الذي ينبغي الصبر عليه، ويكون ذلك بحبس اللسان عن الشكوى، وحبس القلب عن التسخط المحذور، وحبس الجوارح عن الوقوع في المعاصي كلطم الوجه وشق الجيوب وهذه الأشياء.

أما الصبر المذموم فهو الصبر الذي يدفع الإنسان إلى السكوت على محارم الله، وعدم الغيرة على حرمات المسلمين إذا انتهكت، فهذا ليس صبراً محموداً، ولكنه من الصبر المذموم الذي لا يرضاه الله عز وجل.