للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع سورة النصر ووجه تعلقها بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم]

السورة التي نقف عندها -إن شاء الله- هي سورة النصر، وهي سورة مدنية آيها ثلاث، ولها عدة أسماء، فهي تسمى سورة النصر، وتسمى سورة (إذا جاء (، وتسمى سورة التوديع.

وهذه السورة يقال: إنها آخر سورة نزلت.

كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروى البيهقي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه السورة: (إنه قد نعيت إلي نفسي) يعني أن الله عز وجل يخبره بأنه قد اقترب أجله صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول بعض الصحابة: (فكان بعد نزول هذه السورة يفعل فعل مودع، وامتثل أمر الله عز وجل: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:٣]، فما كان يصلي بعد نزول هذه السورة صلاة إلا دعا فيها في الركوع والسجود: سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، اللهم! اغفر لي.

يتأول القرآن).

فهذه السورة -كما ذكرنا- كانت توطئةً وإرهاصاً بين يدي ذلك المصاب الجلل، وهو أول قاصمة أصيبت بها الأمة الإسلامية، وهي موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وسنعيد تذكر الأيام الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما أن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعد حجة الوداع حتى أمر المسلمين بالتهيؤ لغزو الروم، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لإمرة هذا الغزو أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وكان أسامة رضي الله عنه شاباً حدثاً، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وأن يوطِئ الخيل أرض البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وذلك مع بدء شكواه ومرضه الذي توفي فيه، فانتهز المنافقون هذه الفرصة وقالوا: أمرّ النبي صلى الله عليه وسلم حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار.

فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام الذي أثاره المنافقون والمرجفون عصب رأسه الشريف وخرج إلى الناس وخطب فيهم قائلاً: (إن تطعنوا في إمارة أسامة بن زيد فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأام الله إن كان لخليقاً بها -يعني أن أباه زيد بن حارثة كان خليقاً بالإمارة- وايم الله إن هذا لها لخليق -يعني: أن أسامة بن زيد رضي الله عنه جدير بالإمارة- وايم الله إن كان لأحبهم إلي من بعده، فأوصيكم به فإنه من صالحيكم)، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرين والأنصار، وخرج أسامة بن زيد بالجيش إلى ظاهر المدينة فعسكر بالجرف، وهو مكان قريب من المدينة، فلما تجهز المسلمون للخروج لغزو الروم اشتدت برسول الله صلى الله عليه وسلم علته التي قبضه الله فيها، فأقام الجيش هناك ينتظر ما الله قاض في هذا الأمر.