للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذكر الفاضل]

ونقول للذين يداومون على ذكر الله سبحانه وتعالى: لقد كان أكثر ما يداوم النبي عليه الصلاة والسلام عليه هو الاستغفار مطلقاً مع ما ورد عنه في أذكار الصباح والمساء، فقد ورد الترغيب فيه، وورد في السنة العملية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار، كان لا يجلس مجلساً إلا يقول فيه: (رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الغفور) وفي بعض الأحاديث: (فإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة).

فإذاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الاستغفار ويأمر به ويرغب فيه مع ورود الاستغفار -أيضاً- في أذكار الصباح والمساء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم! أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا الدعاء له فضيلة.

إذاً: علينا أن نهتم بمراتب الأعمال في تقديم الفاضل على المفضول، فمثلاً: قبل الانصراف من الصلاة قبل التسليم وردت أحاديث كثيرة تقال قبل التسليم، من أهمها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو التعوذ من أربع: (اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال)، فهذا أمر به فتقدمه على غيره.

كذلك سيد الاستغفار، فإنه يقال في المساء وفي الصباح، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة هذا الدعاء بقوله: (فمن قاله حين يصبح ثم مات من يومه دخل الجنة، ومن قاله حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة)، إذاً هذا أولى من غيره من الأعمال؛ لأنه قد يقول الإنسان هذا الدعاء فيكون بذلك قد ضمن الله عز وجل له الجنة بنص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام.

فعلى الإنسان المسلم أن يعرف فضائل الأدعية حتى يقدم بعضها على بعض، فمثل هذا الدعاء جدير بأن تحافظ عليه وأن لا تفرط فيه خشية أن يكون هذا آخر يوم أو آخر ليلة في حياتك، فتختمها بالاستغفار، كما أُمر صلى الله عليه وسلم أن يختم يومه أو يختم عمره بالاستغفار: {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:٣].

وفيه رد على ممن يواظب على الذكر بلفظ المفرد، فيقول: الله، الله، الله مثلاً آلاف المرات، أو يقول: يا رحمان، يا رحمان، يا رحمان، يا لطيف، يا حي يا قيوم بدون أن يأتي بجملة ذات معنى واضح، فهذا -أيضاً- مما يعده بعض المحققين من البدع؛ لأنه لم يرد به نص صريح ولا صحيح، ولأن الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، وأي خير أعظم مما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وأمره به، فالتزم به وامتثل ذلك، فكان يكثر أن يقول: (سبحانك -اللهم ربنا- وبحمدك، اللهم! اغفر لي)، وذلك لأنه توفي بعد ذلك بمدة يسيرة، فأراد أن يختم حياته بالاستغفار وبهذا الدعاء العظيم، وتأمل فعل الإمام البخاري رحمه الله تعالى كيف أنه ختم جامعه الصحيح الذي يعد أصح الكتب بعد القرآن ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فآخر عبارة في صحيح البخاري: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (من ضن بالمال أن ينفقه وبالليل أن يكابده فعليه بسبحان الله وبحمده) أي: إذا كنت عاجزاً عن النفقة في سبيل الله نتيجة فقر أو بخل فهناك البديل يعوضك عن الأجر الذي تناله من الصدقة أو من قيام الليل، ألا وهو التسبيح والتحميد.