للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما روي في سبب نزول آية المائدة]

هذه الآية روى البخاري في سبب نزولها عن أبي الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءاً، فيقول رجل: من أبي؟ ويقول رجل تضل ناقته: أين ناقتي؟) كما يعمل هذا بعض المستفتين في هذا الزمان عندما يأتون إلى الشيوخ والعلماء لحل أسئلة المسابقات.

وهذا نوع من الاستخفاف بالأشخاص، وهذا الخلق -كثرة الأسئلة- يحمل هذا المعنى، فكان الرجل تضل ناقته فيأتي يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عنها، فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:١٠١].

وعن أنس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.

قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فنزلت هذه الآية: ((لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)) [المائدة:١٠١]).

وروى البخاري أيضاً في كتاب الفتن عن قتادة أن أنساً حدثهم قال: (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة - حتى أحرجوه وأضجروه بكثرة المسائلة - فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر، فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم.

فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي) عرف الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غضب من كثرة السؤال.

فلذلك قال: إذا كنتم تفتحون هذا الباب إذاً اسألوا وسأجيبكم حتى لو كان ذلك فيه ما يسوءكم ويؤذيكم.

ومن أجل ذلك أفاق الصحابة وفهموا أنه في حالة غضب شديد على هؤلاء الذي يسلكون هذا المسلك، ولذلك يقول هنا: (فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي) يعني: خوفاً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندماً على ما كان منهم من قبل.

قال: (فأنشأ رجل كان إذا لاحى -يعني: وقع جدال أو عراك بينه وبين شخص- ينسب إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله! من أبي؟ فقال: أبوك حذافة.

ثم أنشأ عمر فقال رضي الله تعالى عنه: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط؛ إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط) فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:١٠١].

وعن السدي قال: (غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام، فقام خطيباً فقال: سلوني -إلى أن قال مثل ما مضى من الأحاديث- فقام إليه عمر فقبل رجله، وقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وزاد: وبالقرآن إماماً، فاعف عنا عفا الله عنك.

فلم يزل به حتى رضي صلى الله عليه وسلم).

وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمر وجهه حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين أنا؟ قال: في النار -بنحو ما مضى- وفيه فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:١٠١]).