للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السؤال عما لا ينفع في الدين]

قال الشاطبي: (ويتبين من هذا أن الكراهية السؤال مواضع نذكر منها عشرة مواضع): الموضع الأول: السؤال عما لا ينفع في الدين: كسؤال عبد الله بن حذافة: من أبي؟ فهذا لن يعود عليه بأي فائدة، بجانب أنه لو افترض أن أمه قد قارفت ذنباً في الجاهلية، وأنه كان ثمرة هذا الذنب فأي أذية وأي عقوق يكون قد صدر منه في حق أمه وهي إنما كانت في الجاهلية؟! لكن -والحمد الله- الرسول عليه الصلاة والسلام برأها من ذلك.

فأي فائدة تعود عليه بمثل هذا السؤال؟! إذاً يتحرى الإنسان، وربما يعاقب إذا بحث فيما نهى الشرع عن البحث فيه، فتكون العقوبة بقدر الله أن يصدر ما يسوؤه، كما في حديث: (نهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يطرق الرجل أهله ليلاً)، فلم يتخونهم أو يتلمس عثراتهم؟ لأنه إذا كان مسافراً أو غائباً يفاجئ زوجته في البيت في وسط الليل وهو يقصد بذلك التجسس عليها، ومن ثم ينشأ عن هذا شك وريبة، فربما إذا خالف الأدب الشرعي في أنه لا يطرق أهله ليلاً ربما يبتلى بأن يظهر له ما يسوؤه، كما حصل لبعض الناس حينما خالفوا هذا الأدب بشؤم مخالفة الأدب النبوي في عدم طرقهم لأهلهم ليلاً فرأوا ما يسوؤهم ويؤذيهم.

إذاً الموضع الأول من مواضع كراهية

السؤال

السؤال عما لا ينفع في الدين، كسؤال عبد الله بن حذافة رضي الله عنه: من أبي؟ وروي أيضاً أن بعض الناس سألوا: ما بال الهلال يبدو رقيقاً كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدراً، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان.

فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:١٨٩]، فأعرض القرآن الكريم عن إجابة السؤال، وأجاب بما يفيد السائل في دينه؛ لأنه سؤال ليس وراءه فائدة.

وفي قوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية، حيث كانوا يعتقدون أنه يحرم على من عاد من الحج وأراد أن يدخل البيت أن يدخله من الباب، ولكن يدخله من الخلف من النافذة، فيمنعون المحرم من الدخول من باب البيت، وبعض العلماء يقول: إن المقصود هنا الإشارة إلى انتقاد هذا الذي سأل عن الأهلة بأن الهلال يبدوا دقيقاً ثم يصير بدراً ثم ينقص ثانية.

فقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) يعني أن المشتغل بهذه المسائل كالذي يأتي البيوت من ظهورها، لكن عليك أن تأتي البيوت من أبوابها بأن تسأل عما يفيدك في دينك لا عما لا يعنيك.