للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل إنما يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد)]

قال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء:١٠٨].

يأمر تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه أن يبلغ المشركين ويقول لهم: (إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي: متبعون على ذلك مستسلمون منقادون له؟ وهذا أسلوب قصر، فيه قصر الوحي في كلمة التوحيد: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، وقصر الوحي على استئثاره تعالى بالوحدانية فيه إشارة إلى أن التوحيد هو الأصل الأصيل، وما عداه راجع إليه، فكل ما عدا (لا إله إلا الله) راجع إلى (لا إله إلا الله)، فكأن كل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام إنما المقصود بها تحقيق كلمة (لا إله إلا الله) التي هي كلمة التوحيد وكلمة النجاة، وليس معنى ذلك أن الصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات وكل الأحكام لا تدخل في (لا إله إلا الله)، لكن هذا إشارة إلى أن الأصل الأصيل في الدين هو توحيد الله تبارك وتعالى وتحقيق هذا التوحيد، وإذا تأملنا القرآن نجد أن القرآن من أوله إلى آخره كله في التوحيد؛ لأن القرآن إما دعوة إلى التوحيد وتنفير من ضده وهو الشرك، وإما بيان لحال الأنبياء والدعاة الذين دعوا إلى التوحيد، وبيان حال الذين اهتدوا وأسلموا في الدنيا، أو بيان حال القوم الذين أعرضوا، وكيف كانت عاقبة المؤمنين في الدنيا نتيجة التزامهم بالتوحيد وحقوق التوحيد، وكيف كانت عاقبة الكافرين الذين تولوا عن التوحيد وحقوقه، ثم أحوال أهل الجنة الذين استجابوا لدعوة التوحيد، وأحوال أهل النار الذين أعرضوا عن التوحيد، وإما إخبار بأوامر وتكاليف هي حقوق التوحيد، فإذا قلنا: (لا إله إلا الله) فمعناه: لا يستحق أن يعبد إلا الله، فكيف إذاً نعبد الله؟ لقد أتت الشرائع لتبين العبادات، وهي من حقوق التوحيد، كما جاء في الحديث المعروف: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل)، فهذه كلها من حقوق التوحيد.

إذاً: كل الرسالة موضوعها تحقيق (لا إله إلا الله)، فمن أجل ذلك قصر وحصر الله سبحانه وتعالى الوحي في (لا إله إلا الله).