للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم الخلوة بالأجنبيات]

من هذه الإجراءات أيضاً: تحريم الخلوة بالأجنبية، وحقيقة الخلوة أن ينفرد الرجل بامرأة أجنبية عنه في غيبة عن أعين الناس، فهذه من أعظم الذرائع وأقرب الطرق إلى وقوع الفاحشة الكبرى.

وهذه الخلوة كما ذكر القرطبي من الكبائر، ومن أفعال الجاهلية، قال مجاهد في قوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:١٢] لا تخلو المرأة بالرجال، وقال بعض السلف: لا تخلو برجل غير ذي محرم ولا تسافر إلا مع ذي محرم.

فالخلوة بالأجنبية من أخطر الذرائع التي تؤدي إلى المحرم، فهي من أسباب القرب التي قال عز وجل فيها: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢]، فتجد أن الله سبحانه وتعالى حينما يعالج جريمة القتل، ينهى عن القتل نفسه: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:٢٩]، وقال: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:١٥١]؛ لأن النفس أصلاً تكره القتل، لكن هذه الفاحشة يعالجها بالحجز عن أسبابها: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢].

فشدد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الخلوة، حتى تسد منافذ الفاحشة، وتجفف منابع الفتنة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا لا يخلون رجل بامرأة، إلا كان ثالثهما الشيطان)، فأي إنسان يقول بخلاف قول رسول الله فهو كذاب، ينادي على نفسه بالكذب والفجور والفسوق والعصيان، فما دام الرسول الذي لا ينطق عن الهوى يقول (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) فحتماً يكون ثالثهما الشيطان، وهذا الحديث يعم جميع الرجال حتى الصالحين، ويعم جميع النساء حتى الصالحات والعجائز.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان).

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل على المغيبات)، والمغيبة هي المرأة التي غاب زوجها.

وعنه أيضاً: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن).

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان)، وفي حديث آخر: (لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم).

أيضاً قرابة الزوج من الرجال غير الأب لا يحل لهم أن يدخلوا على المرأة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ -الحمو هو قريب الزوج- قال: الحمو الموت) يعني: أنه يفسد حياة الزوجية كما يفسد الموت البدن.

وقد حكى الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبية غير واحد من العلماء منهم النووي وابن حجر، وقال النووي: وكذا لو كان معهما من لا يستحيا منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحوه، فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام.

ويقول الإمام الأبي رحمه الله تعالى: لا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد وإن قل الزمن.

يعني: مثل داخل المكتب، أو المصعد وأي شيء تقع فيه خلوة لا يحل، يقول: لعدم الأمن، لاسيما مع فساد الزمن، والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب.

يقول بعض الشعراء: لا يأمنن على النساء أخ أخا ما في الرجال على النساء أمين إن الأمين وإن تعفف جهده لا بد أنه بنظرة سيخون فالمقصود: ألا يوكل الأمر إلى الضمائر والثقة، ولا بد من مراعاة حدود الشرع، يقول سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: ائتمنوني على خزائن الذهب والفضة، ولا تأتمنوني على أمة سوداء.

يقول بعض السلف: ولا تدخل على امرأة وإن قلت: أعلمها القرآن.