للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريق بين العقيدة وضوابطها]

هنا نقطة مهمة جداً، وهي تهتم ببذل النصيحة للسلفيين أسداها فضيلة الدكتور عمر الأشقر حفظه الله تعالى، وهي بعنوان: ضرورة التفريق بين العقيدة وبين ضوابطها، يقول الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى: هنا أمر عظيم لا بد أن يتنبه إليه، ألا وهو الفارق بين العقيدة وبين القواعد والضوابط التي وضعها علماؤنا في تمييز معتقد أهل السنة حماية لهم من أن يلتمس بغيره، ومخافة أن يضل المسلمون في باب الاعتقاد، والاعتقاد: هو العلم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وقد تكفل الكتاب والسنة بتوضيح هذه الأصول توضيحاً ليس عنه بديل.

لا بد من أجل أن تدرس العقيدة وتكون مؤمناً مستحقاً لوصف الإيمان أن تعرف كيف تؤمن بالله؟ كيف تؤمن بأركان الإيمان الستة؟ أما ضوابط الاعتقاد: فهي تلك القواعد المنهجية التي تعصم صاحبها من الضلال في باب الاعتقاد، وقد وضع علماء أهل السنة والجماعة هذه القواعد في مقابل انحرافات الفرق الإسلامية في مجال الاعتقاد، فإن عامة المتون التي ألفت أو الكتب التي ألفت في شرح عقيدة أهل السنة والجماعة هي تدور حول قضايا أصول الدين في مقابلة الانحراف في هذه القضايا، وهي أحياناً لا تستوعب جميع القضايا، إنما فقط تخص القضايا التي تحقق اختلافاً في العقيدة، فيأتي بعقيدة أهل السنة والرد على البدع الضالة في نفس هذه العقيدة، فهذه الضوابط في غاية الأهمية لأنها تعصم من الانحراف في مجال الاعتقاد، وتحصن المسلم ضد تلك الانحرافات وذلك الضلال، فالعالم بهذه الضوابط يعرف كيف يرد على شبهات الخصوم ودحضها، وتحتاج دراستها إلى وقت طويل، لكن يقول الدكتور الأشقر: وأحب أن أقرر هنا أن هذه الضوابط والقواعد مع عظيم أهميتها لا يمكن أن توجد العقيدة الحية النابضة الدافعة إلى العمل والجهاد والمجاهدة، إن العقيدة التي ننشد إقرارها في أعماق النفوس وخفايا القلوب لا يمكن أن تبنيها القواعد الجافة، والضوابط المقننة، إن هذه الضوابط كالحائط الذي يوضع على حافة الطريق ليمنع السالكين من الخروج عن الجادة السوية، ولكن الحواجز التي تحجز السالكين عن الانحراف لا يمكن أن تمنح السالكين القوة الدافعة التي تجعلهم ينطلقون في مسارهم بالسرعة المطلوبة؛ إن الذي يوجد القوة الدافعة النابضة في أعماق النفوس لون آخر من العقيدة، وأعني بذلك العقيدة التي تقوم على العلم الذي يسوقه القرآن والسنة في الحديث عن الله وعظمته وقدرته، ورحمته وهدايته، وأفعاله في خلقه.

وهو نقل هذه المسألة عن السفاريني حيث يقول: فما ينبغي أن يعلم أن القواعد الكلامية ما رتبت هذا الترتيب وبوبت هذا الترتيب لتؤخذ منها الاعتقادات الإسلامية والقواعد الدينية، بل المقصود منها ليس إلا دفع شبه الخصوم، ودحض نهج أهل البدع والضلال.

ثم يقول الدكتور الأشقر: وإذا كان الأمر على ما بينت فإن مسايرة العاملين بالإسلام تحتاج إلى شيء من المراجعة والتدقيق، فليس العقائديون هم الذين يعلمون ضوابط العقيدة وحدها، ويعنون بها عنايةً كبيرة، ثم يظنون أنهم حققوا المطلوب، وأصبحوا الفئة المختارة المتميزة عن غيرها، إن معرفة الضوابط والعلم بها أمر ضروري ولكنه لا يكفي، والذي يجب أن تشغل به الجماعات ويشتغل به الأفراد شغلاً كبيراً هو بناء المعرفة الواسعة بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر.

تعرفون مجموعة الدكتور الأشقر (العقيدة في ضوء الكتاب والسنة) هذه هي العقيدة، وبعض كتب التوحيد تفصل الاعتقاد مثل معارج القبول مثلاً، وبعض الكتب العقدية فيها بعض الزلل، وهي لا تكفي في استيعاب العقيدة التي تتفاعل مع الخلق كما قال تبارك وتعالى في شأن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج:٢٦ - ٢٧] فالإشفاق يحصل من التصديق الذي يترتب عن التأثر بهذه النصوص.