للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على التمسك بالسنة من السنة]

ومن السنة: ما رواه مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه؛ كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).

ولا شك أن قول النبي عليه الصلاة والسلام: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) ينبغي أن يكون شعاراً لكل مسلم، فكل مسلم لابد أن يرفع هذا الشعار في كل أحواله وفي كل ما يعرض له من مسائل يشك فيها أو يرتاب فيها، فيسأل نفسه: هل هذا يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم أم يصادمه؟ بحيث تحسم له كثير من الأمور التي يتشكك فيها أو يرتاب في الإقدام عليها، فهذا هو المخرج مما وصل إليه المسلمون، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أمماً وشعوباً، فإنهم محتاجون إلى هذا لكي يعودوا إلى ما كانوا عليه من العز والتمكين، فعليهم أن يرفعوا هذا الشعار من جديد: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، وكل ما خالفه فهو شر كما قال: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، ومن ثمَّ كان صلى الله عليه وسلم دائماً ما يستفتح خطبه بهذه الخطبة -خطبة الحاجة- التي تتضمن هذا الشعار المقدس: (وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم).

وفي المسند عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها -يعني: ليلها أبيض كنهارها- لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).

إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم يخبر مسبقاً بما وقعت فيه هذه الأمة بالفعل من افتراقها إلى الفرق المعروفة، ولهذا قال: (من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، ووصف الداء ثم وصف الدواء، فأخبر بالداء، وهو داء الفرقة، ثم لم يدعنا حتى وصف لنا العلاج الذي نداوي به هذا الداء وهو السنة؛ فإن السنة هي التي تجمع المختلفين، والعلاج ينبغي أن يكون على معتقد سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك قال: (ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ).

وقوله: (بالنواجذ)؛ فيه كناية عن شدة التمسك بها؛ ولذلك يُربط في تسمية أهل السنة لفظ (السنة) بلفظ (الجماعة) فيقال: (أهل السنة والجماعة)؛ لأن السنة تجمع وتؤلف القلوب، أما البدع فيقال: أهل البدع والافتراق، فطريق الحق واحد، والباطل هو الذي يتعدد.

و (الجماعة)، يعني: التي تجتمع على السنة في مقابلة البدع فإنها كثيرة الافتراق، فهي التي تشتت الأمة، فهذا أيضاً دواء لكل أدوائنا، وخاصة داء الفرقة والاختلاف الكثير، ولذا قال: (ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).

وفي سنن ابن ماجة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: آلفقر تخافون؟! والذي نفسي بيده! لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هي، وايم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء).

وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: (لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً)، وهذا الحديث رواه أحمد والطبراني، وزاد: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُين لكم)، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يُسم.

يعني: هذا الحديث فيه كلام.