للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصوص المعية لا تنافي نصوص العلو والفوقية]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم].

وما يدل على أن الكتاب والسنة فيهما الكفاية والهدى والنور قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] وقوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته.

ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً البتة، مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه في الظاهر قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه) ونحو ذلك].

أي: أن نصوص المعية ونصوص العلو والفوقية لا يتنافيان ولا يتناقضان، فهو سبحانه وتعالى فوق العرش، وهو مع عباده بعلمه وقدرته وإحاطته، ومع المؤمنين بنصره وتأييده، فلا منافاة؛ لأن المعية ليس معناها: الاختلاط والامتزاج، والمعية لا تقتضي المماسة والمحاذاة، وإنما هي لمطلق المصاحبة، فالمعية معناها المصاحبة، وعليه فيصح القول بأن الله تعالى فوق العرش وهو مع عباده.

تقول العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا والنجم معنا أي: وهو فوقهم، وليس هناك اختلاط ولا امتزاج ولا محاذاة ولا مماسة.

ويقال: فلان زوجته معه، وقد تكون في المشرق وهو في المغرب، والمقصود: أنها في عصمته، فهذه المعية المقصودة وهي بمعنى المصاحبة، ولهذا يقول الأحناف: إذا تزوج مشرقي مغربية ولم يثبت أنهما التقيا، ثم أتت بولد في ستة أشهر يلحق الولد بأبيه، أي: بالنسب، في جواز أن يكون من أهل الخطوة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه) ونحو ذلك.

فإن هذا غلط].

يعني: القول بأن هناك منافاة بين العلو والمعية غلط كبير؛ لأن المعية معناها: المصاحبة، والله تعالى فوق العرش.

قال المصنف ر حمه الله تعالى: [وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٤] فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: (والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه).

وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين وشمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو النجم معنا، ويقال: هذا المتاع معي بمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة].

<<  <  ج: ص:  >  >>