للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان ضلال من ينسب طريقة تأويل الصفات إلى السلف]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف -بمعنى: أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى- ولكن السلف أمسكوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق بين الطريقين أن هؤلاء يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون؛ لجواز أن يراد غيره].

وهذا يعني: أن هناك مذاهب في صفات الله ذكر المؤلف منها: الأول: مذهب المفوضة، والثاني: مذهب المؤولة، وهذا هو الذي يذكره النووي وغيره في شرح صحيح مسلم بقوله: والعلماء لهم في هذا طريقتان: الطريقة الأولى: الإمساك والسكوت عن المعنى، يعني: تفويض المعنى إلى الله.

والطريقة الثانية: طريقة الخلف، وهي: تأويل الصفات بمعانٍ تليق بالنصوص، فيقول: هذه طريقة السلف وهذه طريقة الخلف، وهذا في الحقيقة ليس مذهب السلف.

فهو يقول: والعلماء لهم طريقتان: طريقة السلف وهي طريقة المفوضة الذين يفوضون المعاني، وطريقة الخلف وهي التأويل، وطريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وكل منهما مذهب باطل، بل طريقة الصحابة والتابعين هي إثبات المعاني، فمعاني النصوص والصفات معروفة، لكن الكيفية هي التي ليست معلومة لنا.

فنعرف أن الاستواء معناه: الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع، ونعرف أن العلم ضد الجهل، والسمع ضد الصمم، والحياة ضد الموت، فالمعاني معروفة، كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وكثير من الشُرَّاح يذكرون هذين المذهبين، فيقولون: للعلماء مذهبان، ويذكرون مذهب المفوضة ومذهب المؤولة، ولا يذكرون مذهب السلف رضي الله عنهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان الناقل عن السلف أراد بقوله: (الظاهر غير مراد عندهم): أن المعاني التي ظهرت من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته، ولا يختص بصفة المخلوقين، بل هي واجبة لله أو جائزة عليه جوازاً ذهنياًَ أو جوازاً خارجياً غير مراد، فقد أخطأ فيما نقله عن السلف أو تعمد الكذب، فما يمكن أحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل - لا نصاً ولا ظاهراً - أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر ولا يد حقيقة، وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف، بمعنى: أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه، ولكن السلف أمسكوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق أن هؤلاء يعينون المراد بالتأويل].

هؤلاء هم الخلف المتأخرون الذين تأولوا صفاته سبحانه فقالوا: بأن المراد مثلاً بالمحبة: الإرادة، والمراد بالرحمة: النعمة، والمراد بالغضب: الانتقام، والمراد بالرضا: الثواب، فهم يعينون، والأولون أولئك قالوا: لا نعين.

ففوضوا، وهؤلاء خصصوا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقولون: الفرق أن هؤلاء يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون؛ لجواز أن يراد غيره.

وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعاً، مثل: أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم - الذي لم نحك هنا عشره - علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك].

يقول المؤلف: إن ما ذكره من النقول الكثيرة التي ذكرها لا يصل إلى عشر ما نقل عن العلماء، فهناك نُقُول كثيرة لا حصر لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>